يعد العمل الحزبي النبيل، من بين المجالاتالأساسية التي من خلالها يمكن للمواطنالبسيط أن يساهم في تدبيروتسييرجميعالأمور المتعلقة بحياة المواطنين، لذلك فتح المجال أمامهم للانخراط وتأسيس الأحزاب السياسية وفق ماتنص عليه الوثيقة الدستورية، باعتبارها هيئات سياسية تحملت على عاتقها مهمة جسيمة أمام التاريخ تتمثل في تأطير المواطنات والمواطنين بغية تسهيل اندماجهم في العمل السياسي وبالتالي اشراكهم في منظومة تدبير الشأن العام المحلي والجهوي ومن ثمة الوطني.

لكن بالرجوع إلى الإحصائيات المتعلقة بنسب مشاركة الشباب في المحطات الانتخابية السابقةسواء كانت ترابية أو تشريعية فنستشف جميعا على أن العزوف السياسي لازال هو سيد الموقف،وهو مرض سياسي عضال لازاليجثم على صدور الشبابوتتداعى له سائر أعضاء أجسامهمبالنوم والمقاطعة واللامبالاة، ومن بين تداعياته هواستخفاف الشباب بالشؤون السياسية لجماعاتهم الترابية وللدولة بشكل عام،وبالتالي تأجيل تحقيق إنتظاراتهم وتطلعاتهم المستقبلية وتنمية مناطقهم لعدة ولايات وربما لأجيال. من بين أسبابنفور الشباب من العمل الحزبيهم الأعيان والاسلامويين الذين يمكن تشبيبهم بديدان طفيلية تنخر جسم العمل السياسي من الداخل لإفراغه من محتواه النبيل ولا يتركون منه إلا الهيكل العظميويبدو كفزاعة تجعل الشباب يفرون من صناديق الاقتراع.

فمن هم الأعيانسياسيا؟:هم أناسلا مصداقية لهم لدى الرأي العام لكن لديهم “الشكارة ” يهرولون وراء مصالح نفعية وامتيازات كالتهرب الضريبي ويريدون الحفاظ عليها من خلال ممارسة العمل الحزبي والتحكم في مجالسهوفي منطقتهم وتوجيهها نحو أهدافهم التي يمكن تلخيصها في السعي الدائم وراء الظفر بنصيب أوفر من كعكة الاستثماراتوالمشاريع بالجماعات الترابية وبالمجالس الجهوية والوطنية. الطريقة الوحيدة التي يضمنون جلوسهم على المقاعد بالغرفتين وبالمجالس الترابية هياستغلال سياسوي مقيت للنعرات القبلية ولون البشرة وشراء ذممالمستضعفين عبر توزيع مناسباتي ل 2 دريالات و2 فرانكات ليست من مالهم الخاص (داسن تقدن إمدنستدونت نسن)، بل قد تكون من العامالذيتخصصه الدولة للأحزاب لتمويل حملاتهم الانتخابية ولا يتسلم منهمترشحي ومترشحات أحزابهمإلا الفتات، بالأحرى قد يمولونها من مالهم الخاص وتحتسب عليهم، أو مما تمت سرقته بعد برمجة مشاريع وهمية بمجالس جماعاتهم الترابية التي يرأسونها.

قلة منهم يحسنون مسك قلم الحبر الجاف بين أصابعهم لتوقيع وثيقة رسمية،وهم كثيري الغياب عن قبة البرلمان وإن حضروافينحصر دورهم في استكمال النصاب القانوني للتصويت وهم نيام لتمرير مشاريع قوانين يجهلون محتوها، ويحرصون علىالظهور أمام الكاميرات في لحظات حاسمة وهمجالسين بقرب الوزراء لتخويفأهل المنطقة بمعرفتهم لهم وبسلطتهم وإمكانية معاقبة وتأديب من يخالف أوامرهم والزج بهم في غياهب السجون،وإن تجرأ أحدهمبطرح سؤالفي البرلمان على المباشر تهرول لإطفاء التلفاز تفاديا لسماعه أولكسرها،وما هم إلا أرقام يناصيب وكراكزيسهلاللعب بهم من طرف صقور أحزابهم السياسية. ولا يحملون في حقائبهمأيةمشاريع وبرامج التنميةلدوائرهم الانتخابيةإلا صور تذكارية التقطوها مع سعادة وزراء أحزابهمفي أروقة البرلمان وخلال نهشهموفتكهم بحلويات مناسبات افتتاح الدورات التشريعية.

فكيف يمكن أن يثق الشباب في البرامج السياسية لهؤلاء التي لا يفهمون هم مضامينها؟ويوزعونها فقط خلال الحملات الانتخابية لتلويث الأزقة والشوارع، فهل هؤلاءيمكن أن ننتظر منهم المساهمة والترافع والتدافع السياسي لتنمية أقاليم درعة تافيلالت؟، فالتنمية لا يعرفون لها سبيلا وفاقد الشيء لا يعطيه، وماهم إلا حجرة عثرة ذات بطن ضخمتقف أمام تقدم البلاد في ظل الجهوية المتقدمة.

فماهي الاسلاموية L’islamisme: تعددت تعاريف هذا المصطلح لكن يمكن إجمالها حسب الباحث محمد مختار قنديل المتخصص في شؤون الإسلام السياسيعلى أنها ” شكل من أشكال أدوات الإسلام التي يستخدمها بعض الأفراد والجماعات والمنظمات التي تسعى لتحقيق أهداف سياسية، وتجيب بشكل سياسي على التحديات المجتمعية المعاصرة عن طريق تصور المستقبل، والأسس التي ترتكز على اختراع مفاهيم مستعارة من التقاليد الإسلامية“.

فهذه الصفة تميز الأشخاص الذين يُسيسون الإسلام أو يؤدلجونه، ويتخذونهمطية وايديولوجيا بعيدة عن الدينلتحقيق مصالحهم النفعية والشخصية، وأفضلالاستراتيجيات للاسلاموية لحماية نفسها من الانهيار هي رفض استعمال الفكر النقدي والعقل والدعوة لاعتمادالعاطفة والغرائزوالتدجينلشحن المريدين، والتركيز على تربية أعضاء الحزب على الطاعة وتنزيه القيادة من أي تهم والمبالغة في منحها صفات قد تصل إلى درجة “القداسة”.ولكسب الأنصار والحفاظ على المصالح يحرصون على خلق الأعداء والحلفاء، وهذاما يفسر النزوع الدائم للصراع وتوزيع التهم في كل اتجاه والتراشق بالألفاظ السياسوية الجديدة في الحقل السياسي من عفاريت وتماسيح و…الخ.

السلطة والمال و”الحوريات”هي أكبر الغنائم التي تصطادها النخب الاسلاموية، ومن بين تجلياتهاما ظهر خلال الحكومة السابقة من عشق وحبابتدأت أطواره بمكاتب وزراءانتهى بالتعددلكن الساعة الجديدة المضافة حسب اعتقادهم تفسد عليهم وقت الجماع، ومنهم من تزوجبنساء يحملن جنسيات أوروبية رغبة في نشر الإسلام في صفوف شبابها،يركزون على استعمال سلاح منظومة القيم لدغدغة العواطفكأدوات لكسب تعاطف الساكنة.عندما كانوا في المعارضة يشوهون ويتهمون الحكومة بالفساد والاستبداد والانحلال الأخلاقي بتمويلهالمهرجانات تفسد القيم حسب مزاعمهم (كموازين،و…) ويفتحون جبهات كثيرة لإنهاكها كما تفعل الذئاب الملتحية خلال مطاردة فرائسها.

وبعدما أن كانوافي الحكومةيخادعون الناس ويصورونزياداتهم التي مست جميع القطاعاتعلى أنها انتصاراً للحق والخير على الشر ولمحاربة الفساد والاستبداد،ويتم تحويل السلطة وأدواتها إلى قوة قاهرةلإدلال طبقات المجتمع الفقيرة،والإفراط في استخدام العنف المنظم ضدأساتذتهم وخبرائهم المتدربينلتشكيكهم بمطالبهم المشروعة، ولحسن الحظ فالفكر المؤدلج لن ينتصر مستقبلا بل سيصيبه الكساد والفساد، والمجتمع سيصبح كارهاً له وهو ما حصل اليوم.تلكم هي مميزات الاسلاموية في الحقل السياسي المغربي.

وخير توجيه منا لهم هو التمعن في معاني قوله تعالى في سورة البقرة الآية 44:}أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ{وفي سورة الصف﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾

وفي معرض ختام هذا المقال يمكنني الجزم بأنه للقضاء على هذه الديدان التي تنخر جسم العمل السياسي ومن تمة انجاح ورش الاصلاح السياسي لمغرب ما بعد دستور 2011 مقرون باعتماد سياسة التأطير السياسي الحزبي المندمج و القريب من المواطن، وذلك عبر استقطاب وتأطير وتكوين الشباب، وفتح المجال أمامهم، وإيصال العناصر المؤهلة منهم للاضطلاع بالمهام السياسية في كل مستوياتها، لكن ضحالة الثقافة السياسية لدى بعضهم، وتهافت زعماء الأحزاب على المناصب والامتيازات، قد يؤدي في نهاية المطاف ومن جديد إلى تعميق العزوف عن المشاركة في وجدان الشباب المغربي،فهلموا إلى صناديق الاقتراع  لأنها هي السبيل الوحيد للقضاء على ديناصورات العمل السياسوي والإسلاموي. وأنتم الدواء الفعال للقضاء على هاته الديدان.