من حضر منتدى الخبراء والباحثين بدرعة تافيلالت وسمع الكلمة الافتتاحية لرئيس الجهة وبجانبه عدد مهم من قيادات حزب العدالة والتنمية محليا وإقليميا ومركزيا، وهو يتحدث عن حيثيات بلورة فكرة المنتدى والتحضير لتنظيم هذا العرس الجماعي الذي ربطه بمستوى براءة اختراع علمي معرفي وهو يخاطب الجميع وكأنه سيعلن عن نظرية جديدة ستدحض نظرية النسبية لإنشتاين، أو سيكشف عن "حقائق" علمية سيشهد لها تاريخ البشرية، وإذا بالأمر يتعلق "ببراءتي اختراع" يمكن تلخيصهما في المثل «تمخَّضَ الجبلُ فولد فأرا »:
- الأولى تهم تخصيص مليار سنتيم كخطوة أولى تأسيسية افتتاحية لمؤسسة الخبراء والباحثين بجهة كانت ضحية سنوات التهميش والإقصاء وأريد لها أن تكون فقيرة، وهي في حاجة ماسة لترشيد نفقات ماليتها. لكن وليس ببعيد عن ماكن المنتدى يتم نقل الخبراء الصغار (التلاميذ) بثانوية ابن خلدون بجماعة مصيسي في شاحنات معادن تعرضوا مؤخرا لحادثة سير خطيرة توفيت على إثرها خبيرة ( ك،أ) وبتر يد خبير(إ. م) وأصيب الآخرون بعاهات مستديمة ولا زيارة ولا تضامن من رئاسة الجهة، ذلك فقط ليعبر من خلالها مجلس الجهة على أنه يؤمن بكل تشكيلاته وألوانه السياسية أنه لا يمكن ربح رهان التنمية بدرعة تافيلالت دون ربط شراكة محكمة وحقيقية مع أهل الخبرة والعلم والاختصاص؛
- الثانية مكملة للأولى نسبت لفريق بحث علمي متخصص اعتكف بمختبر مجلس الجهة -(الذي لم يمتلك مقرا إلا بعد طرد تعسفي لمجلس غرفة الصناعة والتجارة والخدمات من مقره) - وسهر بشكل محترف على تحقيق حلم المجلس على أرض الواقع لاحتضان مدينة أرفود للمنتدى وبداخل خيمة بلاستيكية كبيرة تخترقها أشعة الشمس من كل الجهات، ولا تليق بمستوى الزاد العلمي والمعرفي الذي تختزنه أدمغة الخبراء والباحثين الذين تقاطروا بحسن نية عليه.
الملاحظ من براءة الاختراع الأولى المرتبطة بمصدر تمويل الخطوة الأولى التأسيسية لمؤسسة الخبراء غير مفهومة وتطرح تساؤلات ومن حقنا معرفة الحقيقة لأن الأمر يتعلق بالمال العام (هل تم صرف مليار و40 مليون سنتيم في يومين لاستقبال ما يناهز 800 مشارك؟ وفي خيم تشبه البيوت البلاستيكية) خصوصا بعدما أن دفع الخبراء مساهمة نقدية بلغت 500 درهم كشرط ضروري لتسجيل مشاركتهم في أشغال المنتدى، وهم اللذين أدو فاتورة تنقلاتهم من وإلى مدن إقامتهم بداخل المغرب وخارجه، وبعملية حسابية بسيطة فالمبلغ المتحصل عليه فقط من المشاركين قد يفوق 40 مليون سنتيم، مما يدفعني لطرح سؤال عن طريقة صرف مساهمة مجلس جهتنا لدعم المنتدى وعن طبيعة الشركات والفنادق التي استفادت من هذه الكعكة، ولنا عبرة في من استفاد من جولات الحوار الوطني حول المجتمع المدني، الإجابة الصريحة لا يمتلكها أحد إلا ذوي براءة الاختراع الثانية، فما جدوى جمع مساهمات المشاركين واثقال كاهلهم بمصاريف التنقل إذا كانت الجهة سخية معهم إلى هذه الدرجة؟ ألا يمكن لخبراء الكليات التقنية والمتعددة التخصصات بالجهة تنظيم هذا المنتدى بـ 40 مليون سنتيم في عقر دارها بعيدا عن أي رائحة سياسوية قد تفسد عرسهم؟ وتحظى آنذاك رئاسة الجهة بالحضور الشرفي والالتزام بتوفير الدعم المالي لتدبير وتسيير مشاريع مؤسستهم مستقبلا. إذا كان هذا المجلس يفتقر لمثل هؤلاء الخبراء، ويؤمن حقيقة بثقافة الشراكة وأهمية الخبرة والكفاءة لتحقيق إقلاع تنموي بسواعد أيدي أبناء الجهة.
ارتباطا باختراعات مجلس الجهة في افتتاحية المنتدى حبذا لم تم تعويضها ببراءتي اختراع تبدو أكثر أهمية وهي كالآتي:
- الأولى هي الإعلان عن رزنامة حلول واقعية للمشاكل التي تعاني منها جميع مناطق الجهة المترامية الأطراف في شتى الميادين بما فيها معاناة هؤلاء الخبراء انطلاق من تخوم صحاري درعة وصولا إلى واحات النيف وتودغى وتافيلالت وجبال اكنيون وامسمرير وقلعة الورود وقرى جبال العياشي وتازمامارت...الخ
- المكملة للأولى هي براءة التزام جميع أعضاء مجلس جهة درعة تافيلالت أمام الله والتاريخ لعدم استغلال مؤسسة درعة تافيلالت للخبراء والباحثين في أغراض سياسوية وأن يقتصر دورهم في القيام بالمسؤوليات المنوطة بهم طبقا لما تنص عليه مقتضيات القانون التنظيمي للجهات،
لن يختلف اثنان بتاتا عن قيمة وأهمية الرأسمال اللامادي الفريد من نوعه الذي تزخر به جهة درعة تافيلالت، لكنه للأسف يستثمر خارجها "وخيرنا داه غيرنا"، وهو نصيبنا من العدالة المجالية التي يطبل لها بعض أعضاء الحكومة الحالية بعد التقسيم الجهوي الجديد، كذلك لا يمكن إنكار القيمة المضافة لأي منتدى أو منظمة أو تجمع بشري كيفما كان اسمه ويضع نصب أعينه هدف أسمى لا سياسوي وهو جمع شتات المادة الرمادية لأدمغة الخبراء والباحثين بالجهة الذين هجروا منها قسرا نتيجة ظروف التهميش والإقصاء التي يعانون منها وتذكروها خلال مداخلاتهم بالمنتدى بدءا بافتقارهم لأبسط شروط التمدرس وغياب للجامعات والمعاهد ومدارس للبعثات والبوليتكنيك، وما نتائج تفوقهم الآن ماهي إلا ثمرة مجهودات ذاتية صرفة وتضحيات عائلية أفضت بهم إلى بيع ممتلكاتهم وقطعهم الأرضية والمغامرة بأرواحهم بعد ركوب قوارب الموت، لأن الخبير بالجنوب الشرقي هو مشروع عائلة برمتها، والآن نطالبهم بوضع تجاربهم رهن إشارة مجلس الجهة الذي لم يوفر لحفدتهم ولو وسيلة نقل التلاميذ بعد فاجعة مصيسي وانتظرنا هبة من آل شوبان لكن أتى بها مشكورا آل حمدان.
لتحقيق أهداف مؤسسة الخبراء، فما على الدولة إلا أن ترفع من ميزانية البحث العلمي وتوفر المنح للطلبة الباحثين بالجهة وتمتعهم بنفس الامتيازات وظروف العمل بجهتهم الأصلية درعة تافيلالت اسوة بباقي خبراء الدول المتقدمة التي تستقطبهم لتستفيد من كفاءاتهم للحد من هجرتهم، كما أن خبراء الجهة مدعوون الآن أكثر من أي وقت مضى في مؤسستهم الجديدة وفي ظل الجهوية المتقدمة للعب أدوارهم كاملة عبر استثمار طاقاتهم وخبراتهم وأموالهم، للنهوض بالجهة كقطب تنموي حقيقي، في ظروف تشجيعية للاستثمار، وفتح المجال أولا للطاقات الشابة المحلية والحرص على الاستفادة بشكل عادل من خيرات الجهة ما بين أقاليمها وتحقيق تنمية مستدامة للموارد المحلية وليس استنزافها كما يحدث للثروة المائية والمعدنية بمنجمي اميضر بونحاس بحصيا وأبناء العمال يطالبون بالتشغيل.
ولتحقيق التغير المنشود بالجهة، يرجى من هؤلاء الباحثين والخبراء والفعاليات المدنية أن يساهموا في تخليق العمل السياسي بدرعة تافيلالت وذلك عبر انخراطهم في تدبير الشأن المحلي لتحقيق مصالحة بين السياسة والمعرفة عبر تقلدهم لمهام المسؤولية السياسية ليصبحوا خبراء ومهندسين ليس فقط في مختبرات البوليتكنيك، بل كذلك في مختبرات ودهاليز السلطة التشريعية كبرلمانيين ووزراء بمراكز القرار، وليكونوا بمثابة بوصلات للمكاتب السياسية للأحزاب المهترئة سعيا منا للتخلص من برلماني 2 د ريال وسي كلير و2 فرانك و22 ساعة عمل وسرير النوم وجلادي الأساتذة المتدربين مشاريع خبراء المستقبل ...الخ الذين همهم الوحيد هو جمع الثروة وتعلم كيفية ربط رابطة العنق وامتصاص دماء الفقراء وتوزيع سكوك الغفران والأوهام في مهرجاناتهم الخطابية لأبناء جهة درعة تافيلالت.
بالمناسبة تحضرني مقولة الدكتور محمد ضريف رئيس حزب الديمقراطيين الجدد خلال المؤتمر التأسيسي للحزب سنة 2014 قائلا "علينا أن نقنع المغاربة أن مصيرهم مرتبط بالكفاءات والفعاليات، وعليه قررنا أن نخوض معركة ليست بالسهلة وهي إحداث مصالحة بين المعرفة والسياسة"، و ها نحن الآن أمام تطبيق هذه المقولة بالجهة لأن البقاء في البرج العالي للتنظير في المختبرات العلمية قد يكون سهلا، لكن أجرأة الخطط والاستراتيجيات سياسيا وواقعيا أصعب مما قد يتصوره أي خبير إذا عزف عن المشاركة في العمل الحزبي النبيل، ولم يصطدم بعقبات الواقع المرير ولم يجرب العيش بين أحضان وأزقة التهميش، ولم يشرب من كأس الإقصاء السياسي، ولم يمزق حداؤه في العمل الجمعوي المسؤول.
أتمنى أن تكون مؤسسة درعة تافيلالت للخبراء والباحثين التي يترأسها أول عربي يلج شركة اريفا الفرنسية و ابن المرحوم (م،ع) من دوار تيزي في المستوى المطلوب، ويجعلها كقاعدة للتنمية المستدامة بالجهة ليس فقط لجلب الاستثمارات الداخلية والخارجية خدمة لأجندات سياسية اقتصادية لربح تيار سياسي معين لنقط في السلم الانتخابي على ظهر المؤسسة والقيام بمهام لجن مكتب مجلس الجهة الذين يتقاضون تعويضات عن مهامهم، بل كذلك للترافع لتوفير شروط و ظروف البحث الأكاديمي للعلوم الحقة والعلوم الإنسانية بالجنوب الشرقي الذي يعج بموروث وتنوع ثقافي متميز، وألا تكون منتدياتها وأنشطتها مستقبلا بمثابة امتداد لأنشطة حزبية محضة ولنا عبرة في هجوم قيادات حزب معين لجلستها الافتتاحية، لتتحول إلى منبر سياسي خطابي لأحزاب اقتسمت كعكة مجلس الجهة وفق عدد المقاعد المحصل عليها في الانتخابات الجهوية السابقة، لاسيما أن الاستحقاقات التشريعية على الأبواب والقوافل التجارية الحزبية قد تحركت دواليب عجلاتها الصدئة منذ أيام، وطبول الحرب الكلامية تقرع بين القادة السياسويين.