بجماعة مصيسي القروية فمقولة "رُب أخ لم تلده أمك"، قد استبدلت يوم 18 مارس الجاري بـمقولة"رُب مؤسسة لم تلدها دولتك"، كنت اسمع المقولة الأولى لكنني لم أعير لها أي اهتمام في هذا العالم الذي يعج بأناس طغت على قلوبهم القساوة والأنانية والكراهية والعنصرية... الخ، وكنت اعتقد أنها مجرد صياغة لفظية مثل باقي العبارات ولكن بعدما أن انتشرت صور تلاميذ فاجعة شاحنة نقل التلاميذ بمصيسي بالعالم الأزرق أخذت أتمعن في المقولة وأدركت معناها الحقيقي مع مؤسسة حمد بن حمدان الإماراتية التي استجابت بشكل فوري لبعض حاجيات تلاميذ المنطقة وذلك بمنحهم هبة لملمت جزئيا جروحهم.
لا أخفي عليكم شعوري بالفرح الممزوج بالاشمئزاز والغصة، فرح سببه هو توفر وسيلة نقل لتلاميذ ضحايا الفاجعة من وإلى المؤسسة بشكل آمن بدل الشاحنة التمساح آكلة لحوم البشر، واشمئزاز وغصة تجاه دولتي ناجم عن كونها لم تكن سباقة إلى فعل مثل هذا الواجب الإنساني الأخلاقي الذي يكفله الدستور لمسح دموع فلذات كبدها، على الرغم من قدرتها على شراء طائرة كنقل مدرسي لهؤلاء فقط من خلال تمكينهم من حقهم من الثروات المعدنية التي تستنزف من تحت أقدامهم بمنجمي اميضر وبونحاس وبفزو. يحق لي أن أشبه ما يحدث بأم ترفض إرضاع مولودها فتخلت عنه وتبنته أخرى أكثر إحساسا بمعنى الأمومة.
كلما فكرت في أن أصيغ سطورا وعبارات لأصف بها هذا العمل الخيري الذي قامت به هذه المؤسسة وبعض جمعيات المجتمع المدني بالمنطقة أعجز عن ذلك، وتتلاشى أفكاري خوفاً من عدم قدرتي على إيفاء هذه المؤسسة والجمعيات حقها في الشكر والامتنان، فهي نعم المؤسسة الخيرية، كما أن المقولة الثانية السابقة تنطبق عليها، فهي الأخت التي لم تلدها أم الوزارات بوطني وستكون لا محالة أقرب إنسان إلى قلوب ساكنة الدواوير المتضررة بعد الفاجعة.
فقيم المواطنة تبنى ولا تحقن في شرايين الصغارمنذ نعومة أظافرهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال أنشطة كالتي قامت به هاته المؤسسة تفضي بالمواطن الصغير إلى حب وطنه والموت مستقبلا من أجله والدفاع عنه، وفي مثل هاته الأحداث المؤلمة يضع المواطن البسيط قيمة مواطنته في ميزان دقيق وحساس اسمه "ميزان المواطنة"، وينتظر النتيجة فإن خفت موازنه فدولته هاويةويحس في الأخير بالغبن تجاهها.
ولإعـداد المواطن الصالح في فيافي وصحاري جماعة مصيسي يجب إعادة النظر في عملية بناء قيم المواطنة التي تتضمنها مقـرراتمراكز التنشئة الاجتماعية وربـطها بتحمل الدولة لمسؤولياتها تجاه ما حدث لمواطنيها الصغار الأبرياء، وألا تنتظر أن تتكفل بها مؤسسات دول شقيقة مع توجيه الاتجاهات الوجدانية لبناء قيم المواطـنة الحقة دون حصرها في الجـانب اللامبالاتي وتنمية حس الخوف والانتقام من طالب بحقوقه الدستورية كتعبيد طريق العلم والمعرفة أمام من بترت يده وكسرت عظام جمجمته وأرجله وفقئت عيونه.
لم يبقى لنا إلا أن تتكلف دولة أخرى بمصاريف علاجهم وتمدرسهم وتبني لهم نواة إعدادية بدواويرهم، ولا أخفي عليكم أن إثنين من المعطوبين يرقدون بمستشفى ال نهيان لطب العيون بالرشيدية الذي يختلف تماما عن جاره في جميع المعايير ولا مجال للمقارنة (نظافة، أسرة، غرف مكيفة، بناية تشفي مرضاها، ...الخ، ومنظمات دولية تضامنت معهم، فأينك يا وطني الحبيب من كل هذا؟ أهذا هو جزاء حفدة عسو باسلام ومن قاوم المستعمر بجبال صاغرو، فنحن أكثر الوطنيين ولا نريد مزايدات في هذا الشأنفكتب التاريخ الصحيحة شاهدة عليها ودماء الوطنية تجري في عروقنا، وندين استغلال دماء الأبرياء في الخطابات السياسوية الجوفاء ولو كانت واقعية ربما لما حدثت الفاجعة.