قبل الحديث عن مسؤولية الحكومة في هذه الفاجعة الخطيرة التي ذهب ضحيتها تلميذة وجرح 47 في جماعة مصيسي والذي غادر منهم 9 حالات المستشفى بعدما أن تحسنت حالتهم الصحية، لا يمكننا إلا نجدد دوما أحر المواساة والمؤازرة لأهاليهم وبالشفاء العاجل للمعطوبين.

في دولة المؤسسات حيث الحكومة تحترم المهام المنوطة بها دستوريا وتربط مسؤوليتها بالمحاسبة، والتي تقدر معنى أن تكون تلميذا أو طالبا، لا يمكن لفاجعة هاته أن تمر مرور الكرام، بل لا بد أن يقف السياسيون في الغرفتين للحظات، للوقوف على حيثيات الفاجعة والتفكير في تقديم حلول واقعية وليس ترقيعية لمنع تكرارها مستقبلا، أما إذا تعلق الأمر بحياة تلاميذ أبرياء فهذا يتجاوز كل التوقعات، فما إن تحدث فاجعة ينجم عنها إزهاق أرواح البشر، إلا وتجد هذه الدول مجندة للتعاطي مع هذا الحادث وتسارع إلى تشكيل خلايا أزمة خاصة والإعلان عن الحداد تقديرا لهؤلاء التلاميذ الضحايا واحتراما لإنسانيتهم وذويهم، بل لا نبالغ إن قلنا أن معظم الساسة في هذه الدول المتقدمة يعلنون الاستقالة من مناصبهم خجلا من أنفسهم وينصرفون من مكاتبهم المكيفة بدرجاتهم الهوائية نحو منازلهم.

أما في حكومتنا هاته حيث التناقضات والحسابات السياسية الضيقة هي المسيطرة بين مكوناتها، فإن الأمر يختلف عما تحدثنا عنه في حكومات مسؤولة كل الاختلاف، فالحوادث المؤلمة، لا تكاد تغادر جماعتنا بمصيسي والفاجعات المأساوية كلها من نصيبنا وحتى الطبيعة تكرهنا وترمي علينا بوابل من رياح الشركي الساخن المحمل بالحصى وبعقارب تلسعنا، لكن دون أن نجد من يولي اهتماما لكل هذا من الذين يشكلون  الحكومة وكان الهم الوحيد لممثليهم إقليميا وجهويا هو التقاط صور في مآتم وبجانب الجرحى ومبتور اليد لاستغلالها إعلاميا ليؤكدوا للرأي العام المحلي والجهوي بأنهم قاموا بما يملي عليهم الضمير السياسي من واجب الحضور والضحك على ذقون الجرحى والميتة تحسبا لأية محاسبة شعبية خلال استعطافهم للناخبين في أكتوبر المقبل، أم أنهم ليسوا تلاميذ وغير مسجلين بمؤسسة ابن خلدون؟ أه الجواب واضح فهم ليسوا من المريدين، وربما قد نفذ وقود الطائرة التي خصصت للوفد الحكومي الذي حط رحاله بالجرف، ولا تضامن ولا حداد من ساستنا العظام الذين يبدو أنهم بمنأى عن كل الذي حدث في جماعة مصيسي باستثناء قلة منهم، على الرغم من الأمر يتعلق بضحايا أبرياء قضوا نحبهم بسبب سياسات معوجة لهؤلاء الأبطال.

يا "سادة" و يا من يجلس في قبتي الغرفتين المكيفتين الممثلين "الشرعيين " للساكنة بحكم صناديق الاقتراع، أين أنتم من تفعيل وأجرأة مقتضيات دستور 2011 بجماعة مصيسي الذي نص على أن الحق في التعليم يعد أحد أهم الحقوق الأساسية للأفراد وبالنظر لارتباط هذا الحق بباقي الحقوق والحريات بحكم أنه يشكل دعامة لها ويسهم في توطيدها، فإنه يحظى برعاية دستورية من خلال الفصل 31 الذي حمل الدولة الالتزام بتعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج، فضلا على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في المادة السادسة والعشرين منه على أنه:  " لكل شخص الحق في التعلم...".

ووفق ما هو وارد بتصدير الدستور الذي يشكل جزءا لا يتجزأ منه، بأن الدولة تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، نطالب الحكومة أن تجد حلا عاجلا رسميا وجريئا وليس ترقيعيا لفاجعة شاحنة نقل التلاميذ بالجماعة القروية لمصيسي، فالمجتمع المدني بالمنطقة لاحول له ولا قوة ولا يمكنه بوسائله البدائية أن يتحمل أخطاء وعواقب الإقصاء والتهميش وصفة المنفعة العامة حرم من الاستفادة منها، و التمويلات التي تخصصها الوزارات لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني سنويا لا تعطى إلا لجمعياتهم السياسية المغلفة بسيلوفان الخير والإحسان. فثمن نشر الأمية قد يكون باهظا مستقبلا من ثمن نشر العلم والمعرفة. فعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية عما حدث لتلاميذ همهم الوحيد هو التحصيل المعرفي.