جديد انفو /متابعة

في بلادنا، حين يُسأل المواطنون عن أكثر ما يخيفهم في الوقت الراهن،في أجوبتهم لا يذكرون الحروب أو الأوبئة أو الامراض، بل يجيبون ببساطة: “لگريساج بالسكين أو السيف أو جناوا ”. لم يعد الأمر حجايات تتناقلها منصات التواصل، بل هو إحساس متجذر بالخطر، الذي يطارد المواطن في طريقه إلى العمل، وذهابه الى المسجد و في طريق عودته من السوق، في طريقه إلى الجامعة أو حتى على عتبة منزله. شباب يلوحون بالسيوف والأسلحة البيضاء، عصابات تتربص في كل الزوايا، وجرائم تقتحم الأحياء كما تقتحم الشاشات… أسئلة محرجة عميقة يرددها الناس خلسة او جهرا : ما الذي يحدث في المدن المغربية واحيائها وأزقتها وأسواقها؟ هل نحن أمام أزمة أمنية، أم أمام أزمة ثقة في أجهزة الدولة؟

المديرية العامة للأمن الوطني، وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن سلامة المواطنين، نشرت تقريرها السنوي لسنة 2024 بتفاؤل ملحوظ: في تراجع معدلات الجريمة وانخفاض ملحوظ في السرقات تحت التهديد بالسلاح الأبيض ، وفي سرقة السيارات وفي السرقات بالعنف بنسبة أرقام مطمئنة رسمية ، لكنها لا تُسكت ولا تطمئن أعصاب معدة ،ولا تقلل رعب الخوف الذي يتجول بحرية في الأحياء الشعبية ووسط المدن، بل لا تقنع أما  تشاهد ابنها يهدد بسكين على بعد أمتار من العين ومن البيت.

كيف نقرأ هذه المفارقة؟ كيف نوازن بين تراجع الأرقام في التقارير، وتصاعد مشاهد العنف في العالم الافتراضي والواقع الحقيقي بالشارع ؟ الإجابة قد لا تكون في خلل الأرقام، بل في الطريقة التي يعيش بها المواطنون يومهم. فالشعور بالأمن لا ينبع من الاحصائيات، بل من الاحساس بالطمأنينة حين تغادر منزلك وتفكر: “هل سأعود سالما أم لا؟”

الخبراء يضعون أصابعهم على الجرح: المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي ، اننا نحتاج لشرطة أكثر تجهيزا ، ودوريات أنشط حركة. فالأمن ليس مجرد ملاحقة بعد الجريمة، بل وقاية قبل وقوع الجريمة، ومن هنا تبرز كلمة السر: “الوقاية الاجتماعية”. الشاب المعطل الذي يعيش التهميش ، لا يمكنه أن يرفض دعوة رفيق سوء له  فيها دخل ؟ فالمراهق المدمن على الأقراص المهلوسة لا يفرق بين النشوة والجريمة ولا نتوقع من مجتمع تزرع فيه بذور اليأس أن يثمر أمنا وسلاما.

واقع الحال أن هناك أحياء  بالمدن الكبرى، من الدار البيضاء إلى فاس، ومن سلا إلى طنجة، تركت لمصيرها. دون أفق سوى الشارع، وأحيانا بيوت هي زنازن في احياء مكتظة بها يتولد عنف لا يطاق، ويشب ويكبر ولا يقاومه لا قانون ولا عصا.

وسائل التواصل الاجتماعي، ساهمت بدورها في تكبير حجم الإحساس بالخوف فكل جريمة تصور وتنشر وتعاد آلاف المرات ،وكل سيف يشهر، وكل اعتداء يوثق، فإنه يحول الحدث الفردي إلى كابوس جماعي ويتطلب الامر تحركا استباقيا  وحملات تربوية وإعلاما واعيا يزرع ا لطمأنينة بدل الرعب.

نحن لا نعيش في بلد هش أمنيا، ولا في دولة منهارة أمنيا. بل نحن في المغرب، بلد له جهاز أمني قوي يحترم، وله إمكانيات وعتاد وله تقاليد في حفظ النظام. لكن لابد من التنسيق مع باقي مؤسسات الدولة: التعليم، الأسرة، الشغل، الإعلام، المجتمع المدني... فالأمن لا يصنعه الشرطي وحده او الدركي او المخزن لوحده ولا القضاء وحده ، بل تشاركه فيه الأسرة، المدرسة، والفقيه، والمعلم، والصحفي والسياسي.

لقد صار واضحا أن المغرب بحاجة إلى رؤية أمنية جديدة، لا تكتفي بمطاردة الجريمة، بل بمطاردة مسبباتها. رؤية تتعامل مع الشاب الذي يحمل السكين، لا كمجرم فقط، بل كحامل لمرض اجتماعي أعمق. رؤية تعيد الثقة بين المواطن ورجل الأمن، فلا يرى الأول في الثاني خصما له بل سندا.

باختصار، لا نريد أن نحيا في بلد تحكمه الأرقام الوردية، بينما يخنقنا الواقع القاسي. نريد أن نسير في أحيائنا دون خوف، أن نحمل هواتفنا دون قلق، أن تذهب بناتنا إلى المدرسة دون أن يحاصرهن من يحملون السكاكين. نريد مغربا لا يطمئننا فقط بالتقارير، بل يعطينا الأمن كحق لا كامتياز، وكواجب لا كحلم.

حين يشعر المواطن أن الأمن يرافقه ولا يراقبه، وحين يرى أن القانون يحمي الجميع، وحين يرى أن كل الأيادي خالية من السلاح والجريمة عندها يستطيع أن يقول: نعم، نحن في شوارع بلد آمن.

المصدر: ايطاليا تلغراف بتصرف