جديد انفو - متابعة (الصورة من الارشيف)

في مغرب السبعينيات والثمانينيات، لم يكن السفر على متن شاحنة الفورد الحمراء مجرد وسيلة نقل، بل تجربة فريدة مليئة بالذكريات والمشاعر، هذا الفورد، بألوانه المميزة وشكله الذي أصبح رمزًا للذاكرة الجماعية، يعيدنا إلى أجواء المسيرة الخضراء والرحلات الأسطورية التي تجسدت في أبهى صورها.
 
لم يكن اللون الأحمر للفورد مجرد صدفة، بل كان رمزًا للاندفاع والشجاعة، ولعل من جاب المسالك الوعرة والطرق الملتوية لجبال الأطلس الكبير على متن هذه الشاحنة سيدرك تمامًا معنى المغامرة وروح التحدي، كانت للشاحنة مكانة مميزة في المجتمع، وسائقها يحظى بتقدير كبير، حيث كان يعتبر بمثابة "ربان الطائرة" في وقتنا الحالي، مكانته الاجتماعية كانت تعبيرًا عن الثقة التي وضعها الناس فيه لنقلهم ونقل أحمالهم بأمان.
 
كانت الشاحنة تشكل جزءًا لا يتجزأ من مناسبات الفرح والأعراس، حيث تتحول إلى منصة متنقلة للأهازيج والأفراح الأمازيغية، في مواكب الزفاف، كانت الفورد تحمل العروس وتصبح مركز الاحتفالات، تحمل معها الأهازيج التقليدية وأصوات الفرح، مما جعل من يحظى بمكان فيها محظوظًا ومبتهجًا. في رحلات استقبال الحجاج، كانت الفورد تتزين بالرايات وسعف النخيل، وتتحول الرحلة إلى تجربة روحانية مليئة بالتكبير والتهليل والامتداح، مما يبعث الخشوع والطمأنينة في النفوس.
 
أما الجلوس بجانب السائق فكان امتيازًا خاصًا، يشبه الجلوس في قمرة قيادة الطائرة، حيث كان هذا المكان مخصصًا لأعز الناس، ولأولئك الذين يجيدون الحديث والمسامرة في الرحلات الطويلة.
 
من الطرائف التي تروى عن تلك الأيام، حادثة العودة من موسم الخطوبة باميلشيل، حيث وجد المسافرون أنفسهم عالقين في موقع الموسم ببوزمو بعد انتهاء الفعاليات، مع اقتراب غروب الشمس، وفقدان الأمل في العثور على وسيلة نقل، سمعوا صوتًا ينادي "يالله ايت اكدود الريش الريش"، ليكتشفوا شاحنة الفورد الحمراء محملة بالأفرشة و"البونج"، مما وفر لهم راحة استثنائية لم يكونوا يحلمون بها.