زايدجرو - تنغير / جديد انفو
تمر الأيام والأزمان ويمشي الأواخر على هامات الأوائل، وتتكرر المشاهد وكأن الأيام يوم واحد، والأحوال حول واحد ، العمل في الصبح والعشي ، وتعددت الأفواه الصغيرة المنتظرة و الملحة في الرغبة والطلب، وما تنتهي مناسبة حتى تحل الأخرى، وكل الموظفين بحواسبهم من الأصدقاء ما على وجوههم غير غصة الزمان وكل كاظم و كاتم سره وغيظه ليوم بعيد.
حلت الإجازة السنوية وحلت معها راحة العيال،وكل يشهر بيان نقطه انتظارا للمكافأة الصيفية التي تعودوا عليها يوم كان الإخوة من الأهل يشد بعضهم بأزر بعض، ورمضان المعظم أشهر بدوره بيانات الحسابات الإضافية التي لا مفر منها، أذن العصر وخرج صالح من بيته يمشي الهوينى راجلا في اتجاه مركز المدينة، ليفسح للعين متسعا وليطيب مكانه بالبيت هواء ، فيمد اليد للجيب فتقرف ببرودته رغم الحر، ليبحث عن أي شيء يشتريه حتى لا يعود بالخفين ،يؤذن مؤذن مسجد الحي معلنا عن الفلاح والصلاح عشاء ،و يصلي ويصلي ويضيف ركعات وينكسر ما أمكن في ركوعه وسجوده، ويدعو كثيرا حلالا طيبا حتى يتبلل عنق قميصه في زاوية منسية من المسجد ، ويستغفر ويستغفر ولا يحقد ،فذاك حظه ذا ،وذاك حظه ذاك ،وتنتهي صلاة العشاء ويجر رجليه كالعادة في الشارع المضيء الطويل ليجالس بعض الأصدقاء الذين لبسهم الأبيض مؤقتا هذه الأيام ، فيحتسي شايه كبافي الآخرين، ويمارس معهم بعض النميمة في الحاضر والغائب رغم بركة المبارك ، ولا تسلم حرارة النهار وشح برودة الليل من هذا الحديث العذب السلسبيل المذنب ، ليعود للعيال ليشاركهم حديث الأيام المتبقية من رمضان، وأين ستقضى العطلة الصيفية الحارة انتظارا للدخول المدرسي المقبل من جديد.
هو حديث يومي تكرر منذ اليوم الأول من رمضان وكل الأبناء على كثرة عددهم له مشروعه الصيفي الخاص، فمن راغب صورة مع الأسد الحجري بإفران، ومن راغب ركوب ترامواي الرباط، ومن راغب رؤية الخنزير البري والبحري في حديقة الحيوان الجديدة ، ومن راغب مجالسة قردة أزرو، ومن راغب عروس الشمال، ومن راغب وْريدة الجنوب، ولا واحدا منهم راغب في زيارة القرية والبيت الطيني العتيق، وصلة الرحم بأعالي الجبال مع الجدة وأبناء العمومة ، كل راغب في ما لا يرغبه صالح ولا حيلة ولا معين ولا مشفق حين يتبلد إحساس الأجيال غير رحمة الرحيم.
أذن المؤذن لصلاة الصبح وصالح مفتوحة أعينه مصحصحة ولم يغمض له جفن ،توضأ من جديد وخطر بباله ماطلبته ابنته من خوخ والتي خاصمت زوجها قبل رمضان وعادت من حيث شبت، وخشي أن تكون متوحمة عليه ، ومن الممكن أن يظهر أثر الوحم على وجه الصبي المنتظر وسيعيبه على مر الأحقاب، سارع الزمن نحو الدكاكين القريبة المجاورة بحثا عن الخوخ بعد أن أذن المؤذن بان الصلاة خير من النوم، الكل مغلق ومنشغل بأمر ما، فسارع الخطى ودقات قلبه مرتفعة يسمع دندنتها من أسفل العباءة ، عله يلحق ما تبقى من الركعات الصبحية ، رمق الناس زاحفة نحو العتبات وعاد مع العائدين للبيت كأنه أدى الصلاة كالمعتاد، ليصلي منفردا بسطح البيت الذي تمدد فيه الجميع كسمك السردين بالعلب ،الأرجل متداخلة وأيادي البعض فوق وجوه البعض ،وبعض الرؤوس فوق"الجليج الأحمر " والشخير والزفير كأصوات حافلات متعب محركها في العقبات، وأصوات مخيفة وأزيز وأنين، وقنينات ماء مرمية على الحواف كأن حرب الفيتنام مرت ليلا بالبيت ،فعجب المستيقظون منه ودون كلام حين سمعوا تكبيرة الأب للصلاة فرددوا همسا كيف خرج الأب للصلاة ولم يُصلِّ؟ ما الحدث؟ وأمنا نائمة هادئة بجوارنا ومازالت ؟ ماذا وقع؟ صالح وحده يعلم الصالح والطالح، والواجب وما يجب، فتمدد ولاحظ طوله زاد قليلا إما تمددا مع الحرارة أو أن أحدا من العيال سرق فراشه المعتاد، وبدأ ذباب الصباح يحوم من حوله يقبله ويفر بسرعة فائقة كأنه امتص سما ناقعا من خديه ، وبدأت حرارة اليوم الجديد تلهب الجسد، وسينتظر صالح أذان المغرب لتبدأ القصص اليومية المعتادة، لكنه لن ينسى قطعا هذه المرة الخوخ الذي طلبته الابنة بإلحاح وهو المشروع اليومي الجديد ذي الأسبقية الأكيدة والملحة.. ..