حنان الشاد
مهرجان مكناس في نسخته الثالثة انتهت فعالياته بإيجابياتها وسلبياتها، تاركة خلفها آراء وانتقادات مختلفة عبرت عنها مختلف الفئات الفاعلة والمجتمعية كل من موقعه وكل حسب قراءته.
لكن مهما زاد عمق بؤرة الملاحظة، فإنها تبقى سطحية نوعا ما مقارنة مع ما يروج خلف الكواليس وعلى أرض الواقع. ولعل الاعلام الحقيقي يلعب دور الرقيب في صمت بعيدا عن كل معاني الارتزاق وتلميع الصورة والركض خلف ملء البطون بما لذ وطاب.
بعيدا عن كل هذه التجليات، سأغتنم الفرصة من خلال مقالتي هذه بإزاحة الطرف نحو ظاهرة ربما لم ينتبه لها العديد اثارت ضغينتي الى حد ما وكتمتها في نفسي مذ المعرض الدولي للخشب بمكناس للسنة الجارية.
قبل أن أرفع الستار، أود أن أذكر بالقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الصادر بالجريدة الرسمية شهر مارس الماضي، ومن أهم ما جاء به هذا القانون، العقوبة الحبسية من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة من 200 درهم إلى 10000 درهم، او إحدى العقوبتين، لكل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها من الأماكن بأقوال أو إشارات أو أفعال لها دلالات جنسية، أو بواسطة وسائل مكتوبة أو إلكترونية أو هاتفية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أولأغراض جنسية.
هنيئا لنا فعلا بهذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ والذي جاءت بعده حملة استعمال الصفارات ضد كل (متحرش) باي فتاة أو امرأة، الحملة التي دعت لها إحدى الجمعيات النسائية الناشطة بالمغرب.
لن انتقد القانون ولا الحملة بقدر ما يؤسفني الحديث عن السكيزوفرينية التي تنتشر والتي تروج لها بعض النساء المدافعات عن حقوق المرأة بمختلف المحطات النضالية، سواء من مجتمع مدني أو حقل سياسي، نساء تتولين مناصب مسؤولية وبمواقع حساسة تجعلهن محط أنظار وتربص إلى جانب رجال أيضا من نفس الموقع ومجال العمل.
الظاهرة التي سأتحدث عنها هنا، قد تكون وطنية وعالمية ايضا، لكنني ساقتصر على تقليص مساحة الحديث باقليم مكناس بالخصوص، الظاهرة الملاحظة كما قلت سالفا هي "القوادة" واعتذر عن المصطلح، لكن ليس هناك من مصطلح بديل غيره يمكن أن يصف معناه.
فخلال المعرض الدولي للخشب لفت انتباهي حضور امرأة رفقة فتيات شابات (مزوقات) بكل ما للكلمة من معنى، حاضرة بكل المحطات والأروقة، اعتقدت في بادئ الأمر أنها ضيفة أو شخصية من المجتمع المدني، لكن ما فتئت أقتنع بأمر شخصيتها النشيطة والمعروفة، حتى توصلت بمعلومة أنها فاعلة سياسية بجماعة تابعة لإقليم مكناس تبحث عن الصيد الوفير خلال المعارض والمهرجانات عارضة الفتيات اللاتي ترافقنها على مسؤولين وضيوف أجانب أيضا جاؤوا لمكناس( حجة وزيارة) وبمعنى آخر، من أجل السياحة الجنسية بطعم العمل.
فعلا وددت التأكد من المعلومة، لأجدها توزع (لاكارط فيزيت) عارضة المنتوجات التي ترافقها على عارضين مصريين وغيرهم وبإصرار. والغريب في الأمر أن الضيوف الكرام صاروا كلما رأوا فتاة بالمعرض ظنوا أنها منتوج من المنتوجات المعروضة عليهم.. لتتفشى ظاهرة التحرش بالمغربيات الحرات العفيفات من طرف الأجانب ببلادنا، مقابل تشديد العقوبات على المتحرشين من اولاد البلاد، واكبر خيبة هي أن امرأة مغربية مسؤولة تروج لذلك بكل وقاحة (حوتة وحدة تخنز الشواري).
ويأتي مهرجان مكناس في نسخته الثالثة لألاحظ ظهور نفس الظاهرة ومن جديد بشكل راقي أكثر بالسهرات بالخصوص، نساء تعملن لصالح شبكات الذعارة الراقية "تحت الدف" لتتصيد الفتيات الجميلات بنات العائلة وتلح على طلب أرقامهن بشكل مزعج، وهو الأمر الذي روته لي فتيات بالصدفة حين لاحظت صراخهن على امرأة كانت تطاردهن خلال الحفلة الختامية للمهرجان .لصالح من تعملن هاته المخلوقات؟ وكم تتقاضين مقابل ذلك؟ وهل مثل هذه اللوبيات التي تمسح بسمعة فتيات ونساء مكناس الأرض ليأتي من هب ودب من الأجانب ليتحرش ويمارس السياحة الجنسية عليها من رقيب ليطبق عليه قانون التحرش مع العلم أن الظاهرة غير مخفية ومعمول بها بكل المناسبات الهامة؟
زمن " الكوميسير الحاج ثابت" لازال يعيد نفسه، إلا ان الصيغ تختلف والوسائل تعتمد على النساء بالدرجة الأولى للأسف.
فأين نحن من حق الحماية من تحرش الأجانب بتطبيق القانون عليهم أيضا وعلى النساء ممن ساهمت في ذلك؟ وما مدى استحقاق بعض النساء لمناصب القرار جنبا إلى جنب (أخيها الرجل) المسؤول أيضا من موقعه؟ وان كانت المناصفة حق دستوري، فان كرامة المرأة المغربية حق كوني لا منازع فيه لا يحتاج لصفارة أو نفار، هي فقط مسألة تنظيف الساحة من الشوائب التي لا علاقة لها بالضمير المهني والحس بالمسؤولية، فغض البصر لن يكرس إلا تدكين المشهد السياسي بالدرجة الأولى في نظر المجتمع، وفقد المصداقية أكثر خاصة لما يعرفه المجتمع من وعي تكنولوجي منفتح على العالم بشتى وسائله.