فتيحة بومكوت - جديد انفو

 أمام مدرسة حفصة بنت عمر التي تقع في شارع الشباب، الذي يطلق عليه سكان المدينة شارع "الكامبو" وهي كلمة عامية تعني الغبي، لا أعرف سر التسمية حقا ولكني أرجح أنها تخص الشخص الذي قام بالتخطيط لوضع مدرستين إبتدائيتين قبالة حي للمومسات وصف طويل من محلات الميكانيكيين وإصلاح العجلات، وبالقرب من المحطة الطرقية التي لا تخلو من البزناسة والكريسونات وكلامهم البذيء، وأصحاب الحلقة وعابري السبيل من معتوهين ومجرمين... تلك الأزقة التي كنا نمر منها مسرعين خوفا من صراخ المومسات وشتائمهن، كأن الطريق ملكية خاصة لهن.

كان هناك ذلك المنزل المميز، بابه مصبوغ بالأزرق وعليه عبارة باللون الأبيض "ممنوع الدقان"، كانت عبارة مثيرة للفضول، وانا طفلة العشر سنوات فضولية بالفطرة، لماذا تكتب عاهرة على بابها ممنوع طرق الباب وذلك هو مصدر رزقها؟؟ كان ذلك الأمر يجعلني أصر على المرور كل يوم لأعرف كيف تتواصل صاحبة هذا البيت مع زبائنها، وقد اكتسبت خبرة من ملاحظة بقية العاهرات كيف ينادين على زبائنهن من أمام الباب بملابسهن المغرية، وكيف يتشاجرن أحيانا كثيرة على زبون واحد،، فكيف ترفض هي الزبائن وتمنعهم من طرق بابها؟؟ لماذا لا تغير سكناها إن كانت شريفة، ولا شيء أرخص من المنازل في طانطان التسعينات؟؟ طانطان التي يحج إليها عابرو السبيل من كل صوب،، بلاد الدراويش كما يسمونها، محج كل فقراء المغرب، النساء يأتين للعمل بمصانع تصبير السمك والرجال للصيد في أعالي البحار، لأن السكان المحليين كان يمنعهم "تبيضينهم" من إمتهان تلك الحرف، وقد كان هناك نوع آخر من المهاجرات نحو طانطان هن صاحبات فضائح الشرف أو كما يحلو للبعض تسميتهن ب "الهاربات"، ومثلما كان هناك هاربات من الشمال نحو الجنوب كان هناك هاربات من الجنوب نحو أكادير..

ظللت افكر طويلا في تلك العبارة "ممنوع الدقان" لدرجة أني كنت أفكر أحيانا في طرق ذلك الباب لأرى ماذا سيحدث،، كانت تمر سيناريوهات كثيرة بخيالي، منها أن هذه المرأة لربما بشعة جدا ويحرجها الرجال برفضهم ولذلك قررت اعتزالهم،، مر ببالي أيضا أن تكون الشرطة قد قبضت على صاحبة البيت، لكن الشرطة لم تقبض على البقية ولم تعرهم اهتماما وكأن الأمر عادي جدا، إنهن هناك نراهن كل يوم يمارسن أنشطتهن بدون خوف أو خجل... مثل جار خالتي الذي كان يبيع الخمر علانية في زنقة الخرطوم بشارع الحمراء، يخرج القوارير للزبائن ويخفونها تحت ملابسهم خوفا من الشرطة،، كنت أراقبه من السطح كل مرة أزور فيها خالتي، وكان لدي حلم أن تداهمه الشرطة في يوم من الأيام، رغم أني كنت أشفق على زوجته وأولاده الذين يبدون محترمين جدا، هو كذلك كان محترما صامتا لبقا لا يزعج جيرانه أبدا، زبائنه يطرقون الباب في أدب بالغ، ربما لأن الحي محترم وبه عائلات محترمة،، اعتقدت أن حلمي تحقق في رأس السنة الميلادية حين حضرت الشرطة بسيارتهم البيضاء الكبيرة، لكنه كان حلما مبتورا لأنهم اقتنوا بضع زجاجات لأنفسهم، وغادروا في صمت أيضا، لكنهم لم يخفوها تحت ملابسهم بل وضعوها في مؤخرة السيارة لأنهم "الشرطة"،،

 بقي السؤال طويلا دون إجابة، إلى حدود ذلك اليوم عندما فتح الباب، وخرجت صاحبة المنزل بيضاء ممتلئة غاضبة الملامح جميلة رغم ذلك،، جلست على علبة الحليب المجفف "نيدو" كما رفيقاتها اللاتي لم تخاطب أي واحدة منهن،، عمدت أن أعبر ببطئ محاولة أن أكتشف سر العبارة التي لا تزال مكتوبة على الباب، انتهى الزقاق وعيناي اللتان تتفحصانها لم تزدها إلا حنقا وغضبا،، في اليوم الموالي مررت من الزقاق لأعثر أخيرا على الإجابة، وجدتها ترضع طفلا حديث الولادة، لا تنظر اليه أبدا، وعيناها جاحضتان مليئتان بالغضب،، بالطبع فبالنسبة لها يعتبر ذلك الطفل خطأ مهنيا لا يغتفر، اقترفته في حق نفسها وفي حق ذلك الإنسان الذي سيعيش مجهول الأب، أو كما أسمته إحدى المومسات التي كانت جارتنا في حي بئرنزران، والتي كانت تمتهن الحرفة خفية عن أمها التي تطلب من كل بناتها إحضار النقود "لكن بشرف"، وكل بناتها كن ملكات جمال وكيف للجميلات أن يشتغلن بشرف، والكل يحوم حولهن كالذباب على الحلوى،، قالت جارتنا لأمي بأنها حامل ولم تكن تدري، وأن عمر الجنين ستة أشهر ولم تحس به لأنها ضنته انتفخا في الأمعاء، نصحتها أمي بأن تقاضي أباه ليعترف به، فأجابت بأنه ابن ورقة من فئة مئة درهم،، كذلك صاحبة "ممنوع الدقان" ابنها سينسب لعشرة دراهم او عشرين درهما، ربما سيكون الآن شابا في الثامنة عشر من عمره يجوب الشوارع "يشرمل" الناس منتقما من آبائه المجهولين،، وربما حالفه الحظ واشترته أي امرأة عاقر، كما كان يفعل النسوة في تلك الفترة المظلمة من تاريخ طانطان،، أو ربما تم تحنيطه ليصنع من كفه "كسكس يد الميت"، فمن يعلم بوجوده،، ولد نكرة وسيموت نكرة،، لم يتم إحصاؤه طبعا، فبابه كان مكتوبا عليه "ممنوع الدقان".