رغم احتلاله للمرتبة الثالثة في نتائج الانتخابات الجماعية لرابع شتنبر الجاري إلا أن رئيس ما يسمى حزب العدالة و التنمية كان له رأي آخر, إذ اعتبر ذلك نصرا مؤزرا معزيا سبب هذا الفوز الذي هو في الحقيقة هزيمة نكراء إلى كون حزبه نال إعجاب المغاربة, فهل هو فعلا كذلك؟

*إعلام مأجور يخدم أجندة حزب تجار الدين

من يتابع ما ينشره الموقع الإلكتروني الأكثر زيارات في المغرب سيعتقد أن حزب تجار الدين أو ما يسمى حزب العدالة و التنمية هو الفائز في هذه الانتخابات, إذ لا يوجد في كل عناوينه الرئيسية و غير الرئيسية و الفرعية و غير الفرعية إلا أخبار "اكتساح" تجار الدين لهذه المنطقة أو تلك, مستعملين كلمات حماسية غرضها النفخ في نتائج تجار الدين من قبيل:يكتسح, ينتزع,يحصد, يزيح...في إشارة إلى ما حققه  هذا الحزب بعدد من المناطق رغم أن الفارق بينه و بين الأحزاب المنافسة في الكثير من هذه المناطق هو فارق ضئيل جدا, مما يؤكد ما قلناه سلفا من كون هذه المقالات و العناوين المخدومة هدفها تقديم حزب بنكيران على أنه الحزب المكتسح و المصارع الذي ينتصر بالضربة القاضية, في حين تم التعامي عن نقل نتائجه الكارثية في عدد من المواقع التي ظلت لفترة طويلة معقلا حصينا للإسلامويين.

إن هذه الأقلام المأجورة و أنت تقرأ ما تخطه, تحسب أنه لا يوجد في المغرب سوى حزب واحد و وحيد هو حزب تجار الدين حتى أنها خصصت حيزا أكبر مما كتبته عن الانتخابات لهذا الحزب و تغاضت الطرف عن الحزب الأول و الثاني.

وإإذا كان لنا أن نصف حزبا  مغربيا بالحزب المكتسح فحزب البام هو من يستحق هذا الوصف باعتباره الأول و طنيا و بالنظر إلى عمره القصير الذي استطاع فيه استقطاب الألوف في محتلف ربوع المملكة, رغم اتهامات تجار الدين له بالفساد و كأنه سبق له أ، تولى مناصب حكومية و بأنه حزب مخزني و كأن حزبهم ليس كذلك و حزب صديق الملك و كأن الصداقة مع الملك جريمة و غيرها من التهم الباطلة.

*بنكيران الشعب المغربي معجب بنا

كعادته دائما خرج بنكيران بعد احتلال حزبه للمرتبة الثالثة وطنيا ليبرر "فوزه" بإعجاب المغاربة به, و إذا كانت كلمة إعجاب صالحة في لغة العشاق لأنها تعبر عن العاطفة,فإنها في لغة السياسة لا تعني شيئا و بعيدة عن النقد البناء,بل هي من قاموس دغدغة العواطف الملازم للإسلامويين.

ليس هذا هو المهم, بل المهم هو:هل فعلا المغاربة معجبون ببنكيران و حزبه بناء على نتائج الانتخابات الجماعية؟

الناقد المحايد, و بدون مجهود كبير, سيتوصل من خلال ما أسفرت عنه الانتخابات التي احتل فيها تجار الدين المرتبة الثالثة, بأن الشعب على عكس ما يزعمه بنكيران, ناقم على حزبه كاره له,بل و ينتظر نهايته و إلا فلماذا لم يحتل المرتبة الأولى و لا حتى الثانية؟

المتتبع الموضوعي سيتوصل كذلك إلا أن حزب الإسلامويين, ليس هو ذلك الحزب الذي ظل بنكيران و من معه يصفونه في كل خرجاتهم بأنه حزب الشعب و إلى الشعب, و بأن الشعب يبارك خطواته و يفهمه و يساند كل خطواته...فمن خلال عدد المصوتين على هذا الحزب و البالغ حسب آخر النتائج 1.5 مليون مغربي يتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن الزعم القائل بكونه الحزب الأكثر تنظيما في المغرب و الحزب الأول ما هو إلا فقاعة يراد النفخ فيها ليصدقها السذج.فماذا تمثل1.5 مليون من مجموع 32 مليون مغربي؟و ماذا تمثل ضمن أكثر من 15 مليون مغربي بالغين سن التصويت؟و هل الحزب الحاصل على هذا العدد الضعيف جدا جدا من إجمالي البالغين سن التصويت له الحق في أن يفتخر بأن المغاربة معجبون به؟و هل سنصدق بعد اليوم تلك الأٌقلام المأجورة التي تدعي بأنه الحزب الأول في المغرب؟

قارنوا بين عدد الأصوات التي يحصل عليها الحزب الأول في الدول الديمقراطية مقارنة مع مجموع عدد المصوتين أو من لهم حق التصويت و بين ما حصل عليه تجار الدين لتكتشفوا البون الشاسع بين الأحزاب التي تستحق حقيقة أن تسمى أحزاب الشعب و بين حزب يراد له أن يكون كذلك باستعمال أقلام لا ضمير لها.

 و إذا كان بنكيران يرجع احتلال حزبه للمرتبة الثالثة إلى إعجاب المغاربة به, فلكم أن تتصوروا ما هو زاعم لو احتلوا المرتبة الأولى,سيقول بأن الشعب مغرم و متيم بحزبه حد الجنون.

*التصويت للعدالة و التنمية تصويت للإسلام

في مهرجاناتهم الخطابية و رغم أن قانون الانتخابات يمنع منعا كليا استعمال الرموز الدينية,إلا أن زعماء حزب تجار الدين لم يلتزموا بذلك, بل دشنوا مهرجاناتهم تلك ب"البسملات" و "الحوقلات" و بمقدمات دينية مليئة بالأناشيد و الأمداح(و نتوفر على تسجيلات لذلك), و ذلك على مرأى و مسمع من وزارة الداخلية التي لم تتدخل لمنع تلك المهرجانات المخالفة للقانون.

كل ذلك جعل بعض المغاربة يعتقدون بأن التصويت لتجار الدين هو تصويت للإسلام و قد سمعت ذلك بأذناي في مهرجان خطابي لسعد الدين العثماني بتنغير, حيث زعم أحدهم لصديقه أن ما يسمى حزب العدالة و التنمية هم المسلمون الحقيقيون أم الآخرون فمجرد مسلمين مزورين !

*مطالبة شباط بالاستقالة

لا أعرف لماذ يطلب من حميد شباط الاستقالة من رئاسة حزب الاستقلال لمجرد سوء تقدير أو لزلة لسان أو نتيجة لتسرعه؟
إن مطالبة شباط بالاستقالة لمجرد أنه صرح أمام المغاربة بأنه سيستقيل إذا لم يحقق حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لهو ابتزاز سياسي مرفوض و غير أخلاقي, فكم مرة وعد بنكيران بالاستقالة و لم يفعل؟ألم يقل يوما بأن الصحافية المعلومة في إشارة إلى سيطايل و صاحبة "ديالي كبير عليك" في إشارة إلى حازب إذا تمكنتا من جمع 100 امرأة ضده سيستقيل و مع ذلك خرجت آلاف النساء ضد سياسته التمييزية في فاتح ماي و لم يفعل؟و كم من وزير في حكومته هدد بالاستقالة و لم يفعل؟

بل إن السؤال المطروح هو لماذا لم يستقل وزراء متورطون في فضائح اهتز لها الرأي العام الوطني و حتى الدولي حتى تمت إقالتهم التي قدمت للمواطنين على أنها طلب استقالة في تلاعب واضح بالكلمات هدفه حفظ ماء وجه المتورطين في تلك الفضائح؟

فلماذا إذا و الحال كذلك يطلب من شباط الاستقالة رغم أنه لم يتورط في فضيحة و لم يثبت عليه سوء تسيير أو إخلال بالمسؤولية أو ما شابه ذلك سوى أنه صرح كما يفعل السياسيون في كل العالم بأنه سيستقيل إذا لم يحقق المرتبة الأولى؟
الشأن الحزبي الداخلي شأن لا دخل لأحد فيه سوى لمناضلي ذلك الحزب و بالتالي فإن من له الأهلية و الأحقية بمطالبة شباط بالاستقالة أو مواصلة المهام هم مناضلو حزب الاستقلال و لا أحد غيرهم,و من يفعل فلن يكون سوى متطفل و"فضولي".

*اتهامات خطيرة و تحقيرية للعالم القروي

من يختلف مع تجار الدين و يفضح سياستهم التجويعية في حق الشعب المغربي لا يمكن أن يكون إلا فاسدا مفسدا أو خادما لأجندة خارجية و في أحسن الأحوال أميا, فنظرا لكون الأحزاب المعارضة حصلت على أكبر عدد من المقاعد في العالم القروي,فإن محللي و مريدي حزب تجار الدين الأغبياء يبررون ذلك بكون سكان البوادي أميون و سذج يسهل شراؤهم و الكذب عليهم, و هي تهم خطيرة لجزء كبير من الشعب المغربي, و كأن العالم القروي ليس مشتلا للمثقفين و الدكاترة و المهندسين و الطلبة...و كأن سكان العالم القروي لا كرامة لهم و لا شرف,يبعيون أنفسهم لكل من هب و ذب.

و الواقع أنه حتى المدن الكبرى التي تزعم الأقلام المأجورة زورا و بهتانا بأن تجار الدين اكتسحوها ليست كذلك,فبالله عليكم هل الحصول على 7000 صوت في مدينة يقدر عدد سكانها بالملايين يعتبر اكتساحا؟

ثم إنه عوض أن نستغرب و نتساءل لماذا حصلت أحزاب المعارضة على أكبر عدد من المقاعد في القرى, علينا أن نتساءل كيف حصل ادريس الإدريسي الأزمي على أغلب الأصوات في فاس رغم أنه هو الذي حمل الشعب المغربي مسؤولية ما يعيشه المغرب من أزمة أسابيع قليلة قبل الانتخابات, بل علينا أن نتساءل كيف لا يتم حل قائم على أساس ديني مخالف للدستور الذي يمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عرقي أو لغوي أو إقليمي؟ !

*مازالت أمام الشعب فرصة لكنس تجار الدين إلى مزبلة التاريخ و بئس المصير

الانتخابات الجماعية و الجهوية رغم أهميتها فهي لا تعبر بالضرورة عن التوجه الشعبي العام و لا يمكن أن تحدد مستقبل المغرب و المغاربة لأن المتحكم فيها هو القبيلة و الولاءات الشخصية و العائلية على عكس الانتخابات البرلمانية ذات الأهمية القصوى في تحديد المعالم الرئيسية للسياسية الداخلية و الخارجية المغربية على مختلف الأصعدة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية, و عليه فإننا نرى بأن الشعب المغربي ما تزال أمامه فرصة تاريخية لمعاقبة تجار الدين و رد الصاع صاعين ضدا على سياستهم التفقيرية التي لم ترحم أحدا, و هذا هو الرهان الذي على جميع الأحزاب الديمقراطية العمل و منذ الآن على تحقيقه, و إلا فإن المغرب سيضيع مرة أخرى أربع سنوات من عمره مع حكومة إسلاموية فاشلة ستجره عقودا إلى الوراء و ستتراجع عن المكتسبات التي راكمها الديمقراطيون و أعطوا من أجلها أرواحهم و سنوات من أعمارهم في غيبات السجون و التعذيب.