أقدم احد الوزراء في امريكا السنة الفارطة، على الانتحار، بسبب اتهامه من الاعلام بالفساد المالي، لذا عقد مباشرة فور اتهامه، مؤتمراً صحفياً في مجلس الشيوخ امام وسائل الاعلام العمومية، وقدّم كل الوثائق المطلوبة، والتي تؤكد على  براءته من التهمة، لكنهُ صرّح بعدما قدّم البراهين التي تثبت براءته ، بأن هذه  التهمة  بمثابة إهانة وإحراج شديد له  امام عائلته وأصدقائه ومعارفه ،ولا يمكن ان يعيش بهذه التهمة ، فاخرج مسدس كاتم الصوت امام شاشات التلفاز وانتحر بطلقةٍ في فمه .. انهى حياته رغم انه بريء، لأنه  لم يعد يتحمل عناء التهمة ..

  قبل سنوات ، قام لص في السويد بسرقة لابتوب لأحد أساتذة الجامعة، ويحتوي الكومبيوتر على أبحاث ودراسات الأستاذ لمدة عشر سنوات، فاحترم اللص جهود الأستاذ الجامعي وتعبه وأبحاثه، فقام بتحميل محتويات لابتوب ـ كان قد سرقه ـ وإرساله لصاحب اللابتوب الاستاذ  الذي استعاد سعادته وفرحته«USB»على فلاش باستعادة ابحاته ،وتمنى للص الشريف كومبيوترا مفيدا وحياة افضل..

  وفي ألمانيا، اقتحم  ذات مرة، لص احد البيوت لسرقته، فوجد بداخله جليسة أطفال أرغمها على السكوت مستخدما سلاحه، لكنه انسحب من البيت حين رأى طفلين بريئين في البيت يعرضان عليه مصروفهما وما بأيديهم من حلوى حتي لا يؤذيهما، الأمر الذي جعله يخجل من نفسه لينسحب من البيت دون ارتكاب السرقة لأنه يمكلك الشفقة والكرامة والاخلاق والضمير الذي لم يسمح له ان ينحدر الى مستوى سرقة بيت فيه اطفال ابرياء وخادمة ترعاهم..

  وفي سياق متصل، حكى لي ذات مرة احد اصدقائي المغتربين منذ عقود الى الديار البريطانية ،كيف  كان من المعتاد في بلد انجلترا، إذا لقي الإنجليزي شيئا ساقطا ولو كان مبلغا كبيرا، أن يسلمه للشرطة أو مكتب «الأموال المفقودة» في ما يسمى عندهم ب « بيكر ستريت». وحكى لي الصديق كيف كان احد المسنين ذات مرة قد نسي عصاه التي يتوكأ عليها في القطار. فذهب بعد أيام إلى هذا المكتب يستفسر عنها. فتحوا الدفتر ودققوا ولم يجدوا أثرا لها. فتأسفوا ..لأنه لم يسلمها لهم احد ..فظلوا يتساءلوا وقد هالهم امرعصا هذا الرجل المسن ،كيف حدث هذا؟ هذه عصا يعتمد عليها إنسان معتل ويحتاج إليها في سيره. أي رجل هذا الرجل الذي يعثر عليها ويستملكها ويأخذها لبيته ويحرم منها إنسانا أعرج؟..تأسفوا كثيرا.. ورغم ذلك لم يفقدوا الامل في العثور عليها..

  اما في بلدنا المغرب، بلد العجائب والغرائب ، الواقع  تحت مسؤولية بعض الباندية من صعاليك السياسية والحرامية واللصوص من نوع خاص ، تعتبر تهمة الفساد المالي شرف وذكاء وشطارة ورجولة، يستحقون عليها الكفاءة والتقدير، لأنها تجلب الجاه والنفوذ والسيارت الفارهة والفلل الفخمة، لأنهم لايمتلكون القيم والاخلاق والضمير والكرامة مثل حراميي الدول المتقدمة كما اسلفنا.ورغم ان أغلب حراميينا من المسؤولين ،وزراء كانوا او مدراء كبار، يؤدون القسم على خدمة الصالح العام والبلد قبل تنصيبهم ، فإنهم ما ان يتسلموا زمام المسؤولية ودفة الحكم حتى تراهم وكأنهم قد اقسموا على شيء آخر..

  اما فيما يخص لصوص الشوارع وقان االله وإياكم شرهم ، فهم اغبى كائنات خلق الله على الارض، فهم ايضا على انواع واصناف ،فمنهم لصوص مؤمنون وظرفاء، يقولون "باسم الله"حين يضعون المفتاح في قفل البيت بنية السرقة، يقولون "باسم الله"قبل الشروع في تنفيذ خطط السرقة آملين ان يسترهم الله ويوفقهم في مهمتهم ..ومنهم صنف آخريعد اسوأ النماذج ، فقد يسوقك حظك العاثر الى السقوط في قبضتهم على الطريق، ليباشروا عملية تجريدك بلا شفقة من أحذيتك، ومن ساعة يدك، وهاتفك، ومحفظة نقوذك التي لاتملك فيها في الغالب سوى 20 درهما وبطائق شخصية عادية..وما عليك بعد هذه العملية التشليحية الرهيبة، الا ان تشرع في انجاز وثائق طلبات اخرى للحصول على بطائق جديدة تعوض لك الاولى التي  لن  تراها أبدا،  وانت تحمد الله مع ذلك انهم تركوا وجهك سالما بدون جرة سكين تجعل منه وجه غول افلام رعب غابات وسط الليل الذي يخيف الاطفال ،هذا في احسن الاحوال، إن لم تختلط عليهم الاوراق ويحسبوا انفسهم الثوار وانت القذافي الذي نهب اموالهم وبترولهم ليشبعوك سحلا وضربا في مشهد دراماتيكي رهيب يفضي بموتك. ولوحدث مع حراميينا ان ابان أحدهم عن وجود ضمير او شرف او كرامة مثل ماذكرنا مع حراميي الغرب، لكان من العجائب السبع، لكن للأسف حراميينا من مسؤولين و لصوص ظلمة الشوارع لايشبهون حتى حراميي الدول المتقدمة في الانافة والشرف والكرامة وعزة النفس، فهم خطان متوازيان لايلتقيان أبدا.وبسبب هذا كله ،لا أخفي عليك صديقي القارىء، اني منذ سنوات تكونت لدي عادة جديدة وهي عادة الاعتكاف على مشاهدة البرامج الوثائقية التلفزية الخاصة بعالم الحيوان والافتراس لعلي استفيد منها في التعامل مع بعض الكائنات الحيوانية بجلود أدمية والتي نخالطهاكل يوم في هذه الغابة المخيفة التي نعيش فيها ، هذه الغابةالبشرية التي عم فيها الفسادوالانحراف والاجرام.. وشر البلية ما يضحك ، بأن بعض المسؤولين  الذي صار نفوذهم وقوتهم فوق قوة القانون ودولة القانون وسيادة القانون، اضافة الى ان اغلبهم يفتقدون الكفاءة والخبرة والمسؤولية ، فأن معالم السذاجة والغباء تسيطرعليهم ،  وفي تفسيرهم ، للفساد والانحراف والاجرام الذ ي يسبح فيه المجتمع  ،تراهم يقولون  بأن جهل المواطن وتخلفه وحده  هو  مسؤول عنها بشكلٍ مباشر ، يقولون ذلك بحجج وذرائع  تضحك الطفل الرضيع عندما يسمعها، كأنّهُ يشاهد افلام كارتون للأطفال .