الحياة ليست سفرا إلى الجحيم، بقدر ما هي سفر إلى جنان الدنيا، وجزء من هذا السفر هو إطفاء النار في أي مكان، والقادر على ذلك بحكم التكليف الإلهي والدور المنوط بالإنسان، لا تجد فحسب رجال الإطفاء، ولكن أيضا وان كان جزء من مهامهم هو إطفاء النار كيفما كانت هته النار مادية أو فكرية أو معنوية، يبقى رجال والرجولة هي صفات وليست ذكورة أو أنوثة، إنما هي أفكار وسلوكيات وتصرفات وأعمال، يعملون بالليل والنهار من أجل خدمة الإنسان على صعده الفكرية والجسدية والنفسية والروحية.
على رأس هذه المقامات العالية بالله تعالى، والذي يمكن أن يضمها فردية كانت أو جماعية، هو الإبداع بألوانه وأشكاله وحروفه وحواره. وجدنا رجل سعيد في سفره نحو آفاق رحبة على مستوى الريشة التي تحط من علياء الدوحة الخيالية من كل فن طرف، وما أكثر هته الأطراف في مدينة الرشيدية البهية برجالها ومبدعيها.
يترجم عن منطقة غنية بتراثها، خصبة الميول والاتجاهات، دافقة في خيراتها باسقة في تطلعاتها مثل نخيلها الباسق، وهضمية فكر قرآني/ إنساني جميل، يمتهنه رجالها ونساؤها، آيات باهرات للدنيا بأسرها وليس فحسب للإنتاج المحلي.
وهكذا يمكن أن يأخذ الإنسان كطالب أكاديمي أو غيره شهادة تؤكد تفوقه العلمي في هذا المجال أو ذاك، ولكن عندما يضيف المرء بصحبة هذه الشهادة شواهد معتبرة أخرى، فذلك هو النجاح المتكامل لا النجاح الجزئي، الذي يبقى ينظر إلى الشهادة المعلقة على جدران بيته، يتطلع فيها إلى جزء بسيط من مسيرته الدنيوية، وكأنها كل شيء.
الحال مع صاحبنا " رشيد عديدو" الفنان التشكيلي الرشدوي ليس كذلك، شهادة الكفاح الشاق الطويل، في سفر إبداعي قل نظيره، يرحل للبحث عن ذاته الإبداعية، في واحة زيز في عالم الفن التشكيلي كأداة تعبير تتجاوب مع الإنسان والطبيعة والتراث.
بطبيعة الحال للفنان ميلاده الفني 1995 " بمدرسة" دار الثقافة سجلماسة بالرشيدية التي نتمنى لها دورا فاعلا، لأن الناس لا تعيش اليوم بالسياسة وحدها، ولكن للثقافة دور المربي والمكون والمدرب. يمتاح مواضيعه من قصور الريصاني وواحات زيز البهية، وتلال مرزوكة وجمالها الأخاذ ليتعامل مع المجتمع والذاكرة واللون، في تربة غنية وهواء منعش وتراث خصب.
يقبع ناقد/ فنان بين المارة بشكل من أشكال التطلع إلى الجمال وما وراء هذا الجمال، والجمال بالجمال يذكر، يجاور صاحبنا رشيد عديدو حديقة تذكر بربيع الإنسان الدائم، على جانبها لوحات/ أبواب إلى عمق الإنسان الصحراوي والى الصحراء، والى التراث المادي والمعنوي، أبواب براتج يوضح لك إبداع الأناسي الذين أسسوا لنا جميعا مدنا قابلة للعيش في الحاضر وفاتحة أبواب المستقبل على مصراعيه.
فأي نجاح هذا الذي يقف له المرء ويقعد، حينما يتطلع الفنان كرشيد عديدو ليس فقط " النجاح من أجل النجاح"، ولكن النجاح من أجل أن يخلق المثال في المنطقة والريادة على المستوى الوطني، هكذا يعمل الرجل بصبر الجمال سفن الصحراء، وشموخ الجبال شواهد الصحراء، وصفاء السماء سقف الصحراء، لتعلو شهادة التجربة بعلم فوق أي شهادة.
من المشهد التشكيلي يقفز على العوائق والمشاكل التي تعترض الفنانين بإرادة قوية وعزيمة أقوى، يقول: " لهذا أتصور أنه لا ينبغي للفنان الحقيقي والمتميز أن يستسلم لها.." 1. أقنع الأسرة وخاض معركة التحدي، يعمل في الميدان ويجدد ويبحث، في هذا المصنع الفني الهادف، يمر على بيت التشاؤم مرور الكرام يرتقي سلم التفاؤل. فما أسعده من سفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 – منبر تافيلالت العدد الثامن – رمضان 1427، 15 شتنبر 2006.