قبل أسابيع رفعت مجموعة تسمي نفسها "الائتلاف الوطني من أجل العربية" المقرب من حزب العدالة و التنمية مذكرة إلى الديوان الملكي و رئيس الحكومة تدعوهم فيها إلى ضرورة إجبار المغاربة على استعمال العربية في حياتهم العامة و الفضاءات العمومية و المراسلات و الوثائق وواجهات المحلات التجارية...
و لم تتوقف عند هذا الحد,بل وصلت بها الجرأة و الوقاحة حد اعتبار اللغة الأمازيغية لغة أجنبية في عقر دارها و إلى المطالبة بإصدار عقوبات و إجراءات زجرية في حق المخالفين لقوانينهم الدكتاتورية هذه أو المتهاونين و حتى المخطئين!!
حتى أن المغربي عليه أن يستعد في حالة نجاح هؤلاء في الوصول إلى أهدافهم و تحقيق "مشروعهم الاستلابي" -و هذا ما لا نتمناه-عليه أن يستعد للخضوع لمحاكم التفتيش.
إن أهدافهم غير النبيلة و مشروعهم التدميري الذي دفع المغاربة و مازالوا يدفعون ضريبته,لاشك سيوصل المغرب إلى كارثة لن تحمد عقباها,ففي الوقت الذي يطالب فيه الديمقراطيون و الوطنيون الحقيقيون بوطن يسع جميع المواطنين على اختلاف أصولهم,أعراقهم,أديانهم و لغاتهم,نجد هذه الفئة المضللة تحن إلى سنوات القهر و الاستبداد,خادمة أجندة أسيادها في المشرق,من أصحاب إعلان دمشق(سنتطرق إليه في مقال آخر),و محاولة استلاب شعب بأكمله و جعله خادما وفيا لإيديولوجية مستوردة غارقة في الظلامية و الفاشستية,و ها نحن نرى درجة التيه التي وصلها الشباب المغربي الجاهل بهويته الحقيقية,مما يجعله لقمة سائغة و فريسة سهلة أمام الجماعات الإرهابية التي أصبحت تستقطب عددا منهم,فالمحصلة أنه لا يمكن تبرئة هذا التيار الاستلابي من هذا المشكل الخطير.
فمن غير المقبول بتاتا الفصل بين أصحاب هذا الفكر الأحادي الذين يحاولون فرض نموذجهم على الناس و بين ما يصلنا من أخبار التحاق شباب مغاربة بتنظيم داعش أو بغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى,فما ذلك إلا نتيجة للاستلاب الفكري و التبعية الثقافية لكل ما هو شرقي.
و الذي يتجاهله هؤلاء(أصحاب التيار التعريبي) أن العرب الأقحاح في شبه جزيرة العرب,ليسوا مهووسين بالتعريب مثلهم,رغم أنهم من المفروض أن يكونوا كذلك,فنجدهم يتوجهون إلى الإنجليزية و الفرنسية لإشهار شركاتهم و منتجاتهم و مؤسساتهم و واجهات محلاتهم.
سيقول قائلهم(موسى الشامي مثلا),إن هذه المذكرة ليست موجهة ضد الأمازيغية و لكنها ضد الفرنسية التي تزاحمها(العربية) في كل شيء,و سنرد عليه:
هذا كذب و بهتان لو كانت مخططاتكم فعلا ضد الفرنسية,فأين كنتم طيلة هذه العقود و في زمان كانت فيه الفرنسية في عز أيامها و أوج قوتها بالمغرب؟لماذا لم تخرجوا من جحوركم إلا بعد ترسيم الأمازيغية و بعد ما تحقق لها و لو كان نسبيا؟ثم إذا كانت الأمازيغية كما تدعون غير مستهدفة بمخططاتكم التدميرية,فلماذا تعتبرون هذه اللغة الوطنية الأولى,بنت هذه الأرض التي لم تأتيها لا من الشرق و لا من الغرب لغة أجنبية؟
دعونا من هذا كله,و هيا بنا لنحقق مطلبهم الحالم و نتخيل المغرب وفق ما يريدون:
*طالب مغربي يسأل صديقه:
-هل ستقصد الكلية عن طريق سيارة أجرة صغيرة أم عن طريق الحافلة أم ابن القطار(طرامواي)؟
*أم تسأل ابنها عن حال زوجها المهاجر بالخارج:
-هل اتصلت بوالدك؟كيف حاله؟هل اتصلت به عن طريق الهاتف النقال(البورطابل) أم الثابت(الفيكس) أم عن طريق وجه كتاب(فايسبوك)؟
*مواطن يسأل صديقه عن البنك الأفضل:
-ما رأيك,هل الأفضل أن أفتح في بيت مال الشعبي,أم في بيت مال التجاري,أم بيت مال القرض الفلاحي؟
*مواطن يسأل صاحب متجر لبيع الأجهزة الإلكترونية:
-رجاء أريد فأرة حاسوب(la souris) و لوحة مفاتيح (clavier)زائد قرص صلب(disque dur)
*مواطن يريد شراء "بريكة" و بعض الحاجيات الأخرى من عند بقال:
-من فضلك,أريد ولاعة و فول سوداني(كاوكاو) و مشروب غازي(الموندا)وعلبة ألف ورقة(mille feuille ) و قنينة غاز...و لا تنسى أن تسجل كل هذا في دفتر السلف(دفتر الكريدي).
*البرلمان سيصبح مجلس الشورى,و ستجدون ساحات و مرافق عمومية تحمل أسماء:
-ساحة الأوس و الخزرج
-حديقة هبل
-مسرح أبي جهل
-فندق أبي لهب
-حمام زمزم
أما الأسواق الممتازة و الشعبية في مختلف المدن و القرى فستصبح:
-سوق عكاظ(عوض سوق الخميس)
-سوق حباشة(عوض سوق لحد)
-سوق ذي المجاز(عوض سوق ثلاث أيت حمد)
سوق دومة الجندل
و سيسمي الأب ابنه:
-ثعلبة و جحش و كلاب...
و ستتحول مدينة تطوان إلى "مدينة العيون" و أزرو إلى الصخرة,و إيفران إلى الأغوار و تيزي نتلغمت إلى فج الناقة و تنغير إلى ذات الجبل و أكادير إلى المخزن و تارودانت إلى "مدينة الأبناء المهاجرين" و مكناس و تافيلالت و ورزازات و مراكش...(إلى لست أدري ماذا !!)
و سيضطر المغربي القاصد للعشاب إلى البحث عن الأسماء العربية للأعشاب الطبية ك "تارة" و "سرغينة" و "تمارت ن أومغار=لحية الشيخ",و "عضيض","أزير","زوكني","تيمدجة","أفساس"...
و في البيت سينادي الأب ابنه:
-علقمة,علقمة,هات مفاتيح السيارة(سوارت الطوموبيل),سأقصد الصيدلية(الفرمصيان) لشراء بعض الأدوية و من تم إلى طبيب السيارات(الميكانيك) لأصلح المحرك(الموطور),افتح المرأب (الكراج)...و ستخاطب الأم ابنتها:
-هيا إلى الكوزينة(عفوا إلى المطبخ),اليوم سيحل عندنا ضيوف لذلك سنستعمل الكوكوط الكبيرة(أقصد طنجرة الضغط الكبيرة,يا ويلي لو سمعني حماة لغتنا العربية)...
كما سيصبح إجباريا عليه(على المغربي) عندما يقصد الخضار أن يخاطبه:
-السلام على أخ العرب,رجاء,زن لي كيلو قرنبيط (Chou-Fleur) و نصف كيلو بندورة(ماطيشة) و اثنين كيلو جزر(خيزو) و ربع كيلو يقطين(الكرعة) و كيلو بازلاء (جلبانة) و فاصولياء(اللوبيا) و لا تنسى كيلو موز(البنان) و كيلو فراولة(الفريز)...مع العلم أن عليه أن يحرص كل الحرص على ألا يرتكب خطأ و إلا زج به في السجن,و سيرد عليه الخضار:
-باش كتهضر,هضر بالعربية باش نفهمك؟ !!
ثم يأتي الرد من الزبون:
-و يحك يا هذا,أي لغة هذه التي تستعمل؟ألا تعلم أننا في المملكة العربية المغربية؟
-سير بدل ساعة بخرا حسن ليك,و اللا غادي نجيب ليك البوليس.
-أنا من سيتصل بمركز الشرطة و سأريك جزاء من لا يحترم لغة البلد.
يتصل الزبون:
-ألو...ألو...مركز الشرطة معي؟
يرد عليه صوت سلطوي غاضب:
-سير تق...النمرة غلاط,راه الكوميسارية هادي ماشي مركز الشرطة !!!