راج في الأيام القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي و جرائد إلكترونية شتى فيديو للرميد وهو على اتصال ببرنامج مواطن اليوم الذي تبثه قناة ميدي1 تيفي.

الفيديو المقتطف من حلقة البرنامج التي حملت عنوان"محاربة الفساد بالمغرب بين رؤية الحكومة وانتظارات المواطنين", ظهر فيه الرميد متهما برلمانيين من حزب الاستقلال بالهروب من العدالة.

الفيديو الذي حاز على نصيب وافر من التعليقات و المتابعة و خاصة من أنصار البيجيدي, انصبت كلها على اعتبار رد الرميد "انتصارا مؤزرا" و "فتحا مبينا" و "إفحاما لحزب الاستقلال و نوابه", هذه التعليقات و الردود تدفعنا إلى طرح السؤال التالي: هل انتصر الرميد فعلا على نواب الاستقلال لمجرد اتهامهم بالهروب من العدالة؟

منذ وصول حكومة بنكيران إلى الحكم و وزراؤها لا يتقنون سوى الكلام الذي "لا يشتري خضرة و لا يملأ طنجرة" على حد تعبير المثل المغربي, مدعمين من نواب البيجيدي الذين لا يتفنون هم أيضا إلا في بيع الكلام للمواطنين و تقديم الوعود التي لم يروا منها شيئا على أرض الواقع, فمصطفى الخلفي(مثلا لا حصرا) بارع فقط في إعداد وجبات من الأرقام و الإحصائيات التي لا تهم المواطن في شيء, و أفتاتي و بوانو لا يعرفان سوى لغة الإشارة و الرموز, متهمين جهات و "أشخاصا مريخيين" بالفساد دون تحديد الهوية الحقيقة لهؤلاء "المفسدين".

هذا المسلسل من البطولات الفارغة و "الكلام البايت" الذي لا يغني و لا يسمن من جوع, لم يبدأ في الحقيقة بوصول البيجيدي إلى سدة الحكم, بل قبل ذلك بكثير, و تحديدا في مرحلة الانتخابات التي أوصلت حزب المصباح إلى "عرش الحكومة", فقد كان شعارهم منذ البداية هو بيع الأوهام للمواطنين حاملين "شعارا صوتيا" مفاده أن محاربة الفساد ديدنهم و محركهم الرئيسي, بل إن غيرتهم على المواطن و حقوقه هي التي جرتهم لخوض غمار التجربة!

فاز الحزب المصلح الذي جاء لمحاربة الفساد و نال رئاسة الحكومة و ها هي ولايته توشك على النهاية و المواطنون مازالوا ينتظرون ما وعد به من محاربة للفساد و تقديم المفسدين للمحاكمة, لكن لا شيء من ذلك تحقق, و الغالب أنه لن يتحقق, فكل ما تحقق هو الكلام و لا شيء غير الكلام و توزيع الاتهامات يمينا و شمالا على التماسيح و العفاريت و الجن... !!

نعود إلى السؤال الذي طرحناه و الذي نعتقد أنه لا يحتاج إلى كثير جهد للإجابة عنه, إذ إن كلام الرميد لا يمكن أن يعتبره نصرا و لا حتى ردا مقنعا إلا واهم أو مغمس رأسه في التراب, فقد كنا ننتظر أن يعلن السيد وزير العدل عن أسماء المفسدين الذين تم أو سيتم تقديمهم للمحكمة و الملفات الخطيرة التي تورطوا فيها, فإذا به يواصل نفس مسلسل "الاتهامات المجهولة الهوية" و "التشريق و التغريب" بلا بوصلة و لا وجهة محددة.

من تابع كلام السيد وزير العدل سيعتقد - و يا للأسف - أنه ليس وزيرا للعدل, بل مجرد مواطن عادي و في أحسن الأحوال نائب في المعارضة, إذ إن المواطن العادي هو الآخر يعرف بوجود الفساد و المفسدين, و لكن السؤال و المطلوب هو: من هم هؤلاء؟ و كيف سيتم التعامل معهم؟ إذا لم يكن وزير العدل الذي بيده كل الأجهزة و الإمكانيات يعرفهم, فمن يا ترى يعرفهم؟ و إذا كان يعرفهم و يتستر عليهم فتلك الطامة الكبرى, بل هي مشاركة في الجريمة, وإذا لم يكن يعرفهم أو ليس متأكدا من أسمائهم و هوياتهم, و مع ذلك يصر على إصدار الاتهامات شرقا و غربا فتلك الطامة الأكبر, فممن ننتظر يا ترى أن يلقي القبض على المفسدين؟ هل ننتظر قدوم وزير عدل دولة الكامبودج؟ متى تكون الجرأة لوزير العدل و نواب العدالة و التنمية للإفصاح بالأسماء عن المفسدين و ليس بالرموز و الإشارات؟ لا, بل متى يقدمونهم للمحاكمة, حيث إن معرفة أسمائهم لا تكفي و لا تعني شيئا في غياب المحاسبة؟ متى نميز هل العدالة و التنمية في الحكومة أو ما تزال في المعارضة, فتصرفات وزرائه و نوابه تشبه تصرفات من هو خارج الحكومة و ليس بمقدوره فعل شيء؟!

الجواب عن جزء من هذه الأسئلة نجده عند أحد نواب البيجيدي و هو عبد العزيز أفتاتي الذي لا يتقن سوى الافتئات, حين قال لأحد المواقع الإلكترونية:" التصريح بأسماء من لا نتوفر بشأنهم على دلائل قاطعة يمكن أن يؤدي بنا إلى المحاكمة بتهمة التشهير والقذف. لذلك ما نقوم به في هذه الحالة، هو فتح نقاش والتلميح للمتورطين في الفساد".

الله أكبر, منذ متى أصبح الفساد يحارب بالتلميح؟ إذا لم تكن لكم الأدلة القاطعة و كنتم تخافون من المحاكمة بتهمة التشهير و القذف, فخير لكم أن تسكتوا و تكفوا عن تشويق المواطنين المغلوبين على أمرهم الذين ينتظرون في كل وقت و حين مفسدا واحدا يلقى جزاءه!

الخلاصة أن العدالة و التنمية لن يحارب الفساد, إذ لو أراد ذلك لبدأ بنفسه, و لأسرع الرميد الذي يتهم غيره, بالتحقيق في الفضائح التي تناقلتها و تتناقلها جرائد وطنية ذائعة الصيت, من مثل توسط بعض الوزراء لأقاربهم و لأتباع ما يسمى حركة التوحيد و الإصلاح و حزب العدالة و التنمية للحصول على وظائف لا يعرف عنها أبناء الشعب شيئا, و اتهامات للحزب بتلقي أموال من الخارج, فضلا عن توجيه جزء كبير من الدعم المخصص للمجتمع المدني للجمعيات التابعة للحزب, و غيرها من الفضائح التي نقلتها و تنقلها الجرائد و المواقع الإلكترونية المختلفة.

سيقول قائلهم تلك تهم يروج لها المشوشون, الحاسدون الحكومة "على إنجازاتها", سنرد:

إذا كانت كل هذه الفضائح مجرد تشويش و محاولة بعثرة أوراق 'الحكومة الناجحة", فأين هو وزير العدل؟ لماذا لا يحرك أجهزته لإلقاء القبض على الصحافيين الذين ينشرون تلك الفضائح وهم معروفون وليسوا عفاريتا و لا تماسيحا؟ لماذا لا يقدمهم للمحكمة بتهمة التشهير و القذف؟ .

و إذا كانت كل تلك الفضائح مجرد اتهامات, فما عسى البيجيديون يقولون عن فضيحة "مول الشكلاط" و "مول البريمات" و هما بالمناسبة حليفين لحزب الرميد في الحكومة و "مول الكراطة"؟ أم حتى تلك مجرد إشاعات؟؟ .

آخر هذه الفضائح و ليس أخيرها, اتهام الجامعة الوطنية لقطاع العدل، التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وزارة العدل والحريات بتمرير تعيينات في مناصب المسؤولية، وصفتها بـ"الفضيحة" وقالت إنها اتسمت بـ"حضور قوي لعودة منطق التّزكياَت وتغييب معيار الكفاءة"، في إشارة إلى مدير الموارد البشرية الذي اتهمته بتعيين مقربين منه في عدد من مناصب المسؤولية بالمحاكم. و إذا كان كل هذا يحدث في عقر دار الرميد و باعتراف من النقابة التابعة لحزبه و ليس لحزب "مشوش", فلكم أن تتأكدوا أنه فعلا عازم على محاربة الفساد و نشر العدل, فأبشروا و أهلوا بسنة 2015 و كل عام و أنتم بخير.