الزمان: 19 نونبر 2013
المكان: الرباط و شوارعها
آلاف الأساتذة حجوا من كل فج عميق إلى الرباط استجابة لنداء التنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين المقصيين من الترقية بالشواهد للنضال من أجل سترداد حقهم في الترقية الذي لم يكن يجادلهم فيه إلا أخرس عن قول الحق.
ثلاثة أشهر و 10 أيام هي بالتمام و الكمال المدة التي قضتها تلك الحشود في شوارع الرباط, حيث أجواء البرد و الأمطار, ثلاثة أشهر و هم يصرخون, يسلخون, يعتقلون, يرهبون...
فيهم الأستاذة الحامل التي كادت تخدج,و الأستاذ المريض بالقصور الكلوي الذي كاد يموت,و آخر سقيم بالروماتيزم,فيهم من ترك من ورائه عائلة و أبناء, فيهم و فيهم و فيهم...
في عز تلك المعركة التاريخية كان المكتب الوطني يقوم بمجهودات جبارة لحلحلة الملف و التعجيل بعودة الأساتذة إلى أقسامهم,لكن كل الأبواب التي طرقوها كانت مصادة, التقوا بمختلف النقابيين و الحزبيين و حتى الوزراء و الفنانين, لكن دون جدوى.
ذات صباح و الحشود محتشدة لتسمع آخر الأخبار عن الملف و اللقاءات الحوارية, إذا بعبد الوهاب السحيمي منسق الأساتذة المجازين يخطب فيها قائلا:
لقد التقينا اليوم ببوانو القيادي في حزب العدالة و التنمية و قال لنا:
عليكم الاتصال بعبد الله باها فهو الوحيد القادر على إقناع بنكيران بضرورة التدخل لحل ملفكم, ملفكم بيد بنكيران.
(لم أعد أذكر إن كان المكتب الوطني قد التقى بباها أم لا).
المهم أنهم كانوا يتلاعبون بنا, الوفا كان يقول بأن الحل بيد بنكيران, بنكيران يقول بأن الحل بيد بلمختار, بلمختار الحل بيد الأزمي,النقابات تقول الحل هو صمودكم في الشارع...(و كأن ثلاثة أشهر في تلك الظروف لم تكن صمودا, علما أن أسبوعين كانا كافيين في دول أخرى كتونس لإسقاط أعتى الديكتاتوريات, و مع العلم أن مطلبنا لم يكن إسقاط نظام أو خلق فوضى, بل مطلب بسيط و عادل جدا).
اليوم توفي باها و عدت بذاكرتي متسائلا:
هل كان الأساتذة بحاجة إلى لقاء باها من أجل طلب تدخله لحل الملف؟ألم يبلغ إلى مسامعه أخبار تلك الألوف التي كانت تهدر بها شوارع الرباط و التي بلغت أخبارها ما وراء البحار؟كيف يقول أصدقاء باها اليوم إنه كان خلال حياته يتجول في شوارع الرباط و يسأل الناس حاجاتهم و لم يبلغ إلى علمه مطلب و حاجة تلك الحشود الفقيرة, الكادحة؟
ذات يوم من تلك الأيام العصيبة, تدخلت قوى الأمن بعنف لتفريق مظاهرة حاشدة أما الموارد البشرية, و في ذلك الجو الرهيب الذي لا يوصف ضرب من ضرب و جرح من جرح و اعتقل من اعتقل و سجلت حالة إغماء كاد صاحبها يفارق الحية, و بينما تلك الحشود تهيج و تموج, اتجه بعض الأساتذة نحو سكة القطار الواقعة بالقرب من كلية علوم التربية,وفي لحظة من اللحظات قطار قادم من الدار البيضاء, يستعمل منبهه بأعلى صوت, كاد يطحن أحد الأساتذة كما طحن باها,بدأت أصيح من بعيد بأعلى صوتي:
-أستاذ, أستاذ عنداك التران, عنداك التران. لا أبالغ إذا قلت:
لم يفارقه عن الموت سوى رمشة عين.
مر كل ذلك و جاء الظلم بعده, أساتذة أبرياء يحالون على المجالس التأديبية في ظروف محطة بكرامتهم لا لشيء سوى لأنهم جاهروا بالحق, أساتذة مازالوا يتابعون قضائيا, اقتطاعات من أجور هؤلاء الفقراء بلغت ملايين الدراهم, و ما يزال الكثير منهم غارقين في الديون.
حدث كل هذا و أكثر في عهد حكومة بنكيران و ساعده الأيمن المرحوم باها.
إنه التاريخ يكتب نفسه !!