كلما وجه انتقاد إلى حكومة بنكيران بخصوص الطريقة التي تدبر بها قطاعا ما أو بخصوص إصدار قوانين و اتخاذ إجراءات ظالمة تتعلق بهذا القطاع أو ذاك, إلا وسارع الوزير المكلف بهذا القطاع إلى التهرب من المسؤولية و تحميلها لمن سبقوه في تطبيق حرفي لما يمكن أن نسميه ب"منطق هذا ما وجدت عليه الوزراء السابقين " .
مناسبة هذا القول هي الضجة الكبيرة التي أثارها قرار منع الأساتذة من متابعة الدراسة, فبعد أن وقعت حكومة بنكيران في حرج كبير جراء توالي الأصوات المنددة بهذا القرار الجائر, خرج رشيد بلمختار ليبرأ نفسه و يقول للناس بأنه غير مسؤول عن هذا الإجراء و أن رئيس الحكومة هو "مول الفعلة", بعدها مباشرة خرج بنكيران هو الآخر لتبرئة نفسه قائلا بأنه ليس صاحب الفكرة و إن كان لا يعارضها, وبعدها انتقل "الصراع" ليشمل لحسن الداودي وزير التعليم في حكومة بنكيران, و مع هذا الأخير قصة أخرى!
فالداودي في جوابه على سؤال متعلق بهذا القرار أمام البرلمان, أي قرار منع الأساتذة من الدراسة, لم يكتف بتحميل المسؤولية للأحياء, بل تجاوزهم ليحملها إلا من مات منذ زمن بعيد و هو رميم إنه المعطي بوعبيد.
محاولة الهروب من المسؤولية - هذه - و تطبيق منطق"هذا ما وجدنا عليه الحكومات السابقة" لا تلجأ إليه حكومة بنكيران إلا في القوانين و القرارات التي ترى بأنها تتماشى و تخدم سياسيتها التقشفية, أما غير ذلك فيصبح هذا المنطق لاغيا و متجاوزا.
و حتى يتضح هذا الأمر نبقى دائما في قطاع التعليم, الذي يعتبر من القطاعات الحساسة التي تحاول الحكومة أن تطبق فيه شريعة "هم السابقون و نحن اللاحقون", حيث نجد بأن الحكومة قد تخلت عن هذا "المبدأ" عندما تعلق الأمر بالأساتذة حاملي الشهادات,فبعد أن كانت الترقية تتم بالشهادات طيلة عقود من الزمن, جاءت حكومة بنكيران و ألغت تلك الترقية,و السؤال المطروح هنا هو التالي:لماذا لم تبق الترقية بالشهادات سارية المفعول كما كان عليه الأمر في السابق عملا بمنطق "هذا ما وجدنا عليه الحكومات السابقة"؟
ما قيل عن حاملي الشهادات يقال عن الأساتذة الذين كان من المفروض أن يحالوا على التقاعد, إذ ضربت حكومة بنكيران بعرض الحائط كل القوانين و الأعراف السابقة ممدة من فترة عمل هؤلاء, متناسية مرة أخرى أن الوزراء السابقين و الحكومات السابقة لم تفعل مثل ذلك.
كل الذي تقدم يؤكد ما قلناه سلفا, من أن وزراء بنكيران لا يلجؤون إلى "إن نتبع إلا ما وجدناهم عليه", إلا عندما يخدم توجهات الحكومة التقشفية و تراجعاتها عن كل المكتسبات.
إن الذي يتجاهله وزراء بنكيران أنه لا يوجد قانون صالح لكل زمن و مكان, و أن الصفة المميزة للقوانين و الدساتير هي التغير و التحول تبعا لحاجيات الناس و مستجدات العصر, و إلا ما تغير دستور و ما تمت مراجعة قانون, و عليه فحتى لو افترضنا-مثلا-أن المرحوم بوعبيد هو المسؤول عن منع الأساتذة من التعليم,فقراره ذاك ليس وحيا موحى, بل هو قرار قد تكون أملته حينها مجموعة من الظروف, و حتى لو افترضنا كذلك أن جميع الحكومات السابقة هي المسؤولة عن كل الكوارث الموجودة في كل القطاعات, فإن على الحكومة الحالية البحث عن حلول واقعية لتلك المشاكل و الاستفادة من تجارب تلك الحكومات و ليس جعل السابقين شماعة تعلق عليها فشلها لأنها هي الأخرى ستصبح ذات يوم حكومة سابقة و ستأتي حكومة تحملها مسؤولية ما آلت إليه الأمور و هكذا دواليك إلى أن يرث الله المغرب و من عليه.
خلاصة القول فإن المغاربة قد سئموا و ملوا من تلك الخطابات التي يحاول أصحابها التهرب من المسؤولية و تعليقها على من سبقوهم,بادعاء أن الحكومة الحالية ورثت هذه المشاكل عن الحكومة السابقة و ليست هي المسؤولة عنها ثم تأتي حكومة لتجتر نفس الخطاب,ثم إن أغلبهم(المغاربة)"جيل معاصر" لا يعرف من يكون المعطي بوعبيد و لا عبد الله إبراهيم و لا البكاي و لا غيرهم, وما يهمهم هو اللحظة التي يعيشونها, هو إنجازات من يحكمون الآن.