أخيرا تنفس آلاف الأساتذة الصعداء بعد سبعة أشهر من اعتقال أرزاقهم, لا لذنب اقترفوه و لا لجريرة أتوها, إنما "إثمهم" الوحيد أنهم طالبوا بحقهم المشروع الذي لا يجادل فيه إلا مغمس رأسه في التراب و هو الحق في الترقية إسوة بالسابقين و اللاحقين, و هو الحق الذي يعترف به أول المسؤولين على الشأن التربوي و على رأسهم زظير التربية الوطنية السابق السيد محمد الوفا الذي أكد غير ما مرة بأن الأساتذة المجازين المقصيين من الترقية على حق, و لكن لا حول له و لاقوة.

أخيرا عادت تلك الأجرة الهزيلة مصحوبة باقتطاعات مهولة ترواحت بين 15 ألف و 20 ألف درهما, في وقت مازال فيه عدد آخر من الأساتذة المجازين ينتظرون إطلاق سراح رواتبهم.

يأتي هذا في ظل تراجعات خطيرة في المجال الحقوقي لم يعرف لها المغرب مثيلا من قبل و في ظل الزيادات المتوالية في الأسعار و تجميد الأجور و الإجهاز على حق الإضراب و في ظل تخاذل ما يسمى النقابات الأكثر تمثيلية التي أصبح دورها هو التصفيق لقرارات حكومية لا وطنية و لا شعبية و لا قانونية, و ما المأساة التي مر منها آلاف الأساتذة المجازين و حرمانهم من حق ظل ساري المفعول لعقود من الزمن لا خير دليل على أن من ينتظر شيئا من هذه النقابات كمن ينتظر أن تمطر السماء ذهبا أو فضة, بل إن حكومة ما يسمى العدالة و التنمية ماضية في سياستها التفقيرية, التجويعية, غير عائبة لا بالنقابات و لا بالأحزاب و لا بباقي المؤسسات, بل و متحدية لها, خارقة كل القوانين و التشريعات,متمادية في سن المزيد من القرارات و التشريعات التي لم تجرؤ حكومة من قبل على الإتيان بها, و لن يكون آخر هذه القرارات رفع سن التقاعد و منع الأساتذة من متابعة الدراسة.

أخيرا عادت الأجرة "فمبروك" للأساتذة المسرحة أجورهم و "عقبة" للذين ينتظرون, و إنه لا حدث تاريخي يستحق أن يخصص له عيد وطني حتى تتذكره الأجيال, و يتذكر الشعب أن أعداءه الحقيقين هم أعداء أبنائه الكدح, هم هؤلاء الذين يتاجرون بالدين و يبيعون الوهم للبسطاء من الناس, هم هؤلاء الذين كانوا بالأمس القريب يتجولون في الدواوير "يتمسكنون و يتدروشون" حتى "تمكنوا" فسقوا الشعب العلقم.

أخيرا عادت الأجرة هو حدث يذكرني بنص كنا نقرأه في أحد مستويات الابتدائي و نحن تلاميذة صغار, كان عنوان النص "أخيرا عاد الضوء..و لكن بعد أن ضاع المسلسل", و هو عنوان يصلح للتأريخ لهذا الحدث مع تغيير طفيف في الصيغة لتصبح "أخيرا عادت الأجرة..و لكن بعد أن غرق الأساتذة كريدي", متى يعود الضوء إلى هذا الوطن و يرفع عنه الظلام و الظلاميون؟ متى تعود الحقوق إلى أصحابها؟

أسئلة ستبقى أجوبتها مؤجلة إلى حين و آخر دعوانا أن "اللهم ارحم من علمنا و جازين الجزاء الحسن الذي لا يعوضه راتب و لا أجرة " آمين .