يعتبر قطاع النقل العمومي بالمغرب قطاعا فوضويا بامتياز تتحكم فيه شراهة أرباب النقل والعاملين والمستفيدين منه، ليبقى المواطن وخصوصا الطبقات الدنيا على الخصوص سلعة سمحت جميع السلطات بأن يتم التلاعب بها وبمصالحها، ودون أي تدخل يحميها من بطش وابتزاز أصحاب النقل العمومي بتبريرات متعددة ( ضغوطات التنظيمات النقابية، والحفاظ على الأمن و مصالح العاملين بالقطاع وأرباب النقل العمومي... الخ)
ويتجلى ضرب حق المواطنين في نقل يضمن كرامتهم، بالسماح لوسائل مهترئة وتشكل خطرا دائما على حياة مستعمليها، مسجلين غياب مراقبة حقيقية للدولة والمصالح المختصة وهو ما تسبب ويتسبب في حوادث السير اليومية والتي تشكل وسائل النقل العمومية نسبة مهمة منها؛ وضعف أو غياب النظافة ووسائل الأمن بالمركبات، وللتأكد من ذلك يمكن التجول بين عدد من الحافلات وسيارات النقل العمومي للوقوف على أن بعضها أصبح مزابل عمومية وليس وسائل نقل تحترم كرامة الانسان ويمكن ملاحظة ومعاينة حالة المقاعد التي أصبحت وسخة بشكل فظيع وكذا أسفل تلك المقاعد وكل ما يوجد داخل المركبات من ستائر وزجاج وغيرها، ناهيك عن الروائح المزكمة. وهو نفس الوضع بالمرافق الصحية بعدد من المحطات الطرقية التي تفتقد لشروط الراحة والنظافة واحترام كرامة المسافرين، إضافة إلى ساحات المحطات والتي أصبح بعضها فضاء واسعا لرمي الأوساخ والفضلات (من بقايا المأكولات، ...الخ)
أما بخصوص أثمنة النقل العمومي فقد ارتفعت بشكل صاروخي خلال العشرية الأخيرة بل أصبحت المناسبات المختلفة من عطل مدرسية وفصل الصيف والأعياد مناسبة للابتزاز بامتياز تعرف فيه الأسعار ارتفاعا مهولا يضرب القدرة الشرائية للمواطنين ويجعلهم بضاعة يتقاذفها جشع المشتغلين في هذا القطاع، واستغلال ظروف قلة الأسطول المتوجه إلى مناطق معينة ومن بينها المتوجهة من الشمال والغرب إلى بعض المناطق كالجنوب الشرقي (الرشيدية وورززات وزاكورة ...الخ) لتفرض أثمنة مسار الحافلة من الانطلاق إلى آخر نقطة الوصول حتى ولو كان المسافر يرغب في التنقل فقط إلى نصف الطريق، في الوقت الذي يفترض فيه تخصيص حافلات ومركبات أخرى لاحترام الأثمنة المحددة والتي يجب أن تراعي ظروف المسافرين، وهو ما يعني غياب تدخلات حقيقية للدولة المغربية بل تتعداها إلى استفزازات وتحرشات بالمواطنين من طرف المنتسبين لقطاع النقل العمومي (الوسطاء والسائقون ومساعدوهم وأرباب النقل)، من خلال تعاملات تفتقد لأصول التعامل الحضاري والانساني ولا تكترث لأي ظرف من ظروف المسافرين (ظروف عائلية قاهرة: وفيات أو أمراض، مباريات، العودة إلى الأهل، والظروف المادية المجحفة...) لتصبح وسائل النقل العمومي كابوسا مضجرا للأسر المغربية ذات الدخل المحدود خصوصا.
إن السمة الغالبة بالمحطات الطرقية للحافلات والطاكسيات هي سياسة فرض الأمر الواقع على المسافرين حيث أصبحت وسائل الاستقبال والخدمات المقدمة في غاية التردي والاستفزاز وتفتقد لأدنى شروط احترام كرامة المواطنين المغاربة، حيث يستقبلك بشكل دائم صراخ الوسطاء "الكورتيا" وصراعاتهم الأبدية وألفاظهم البديئة واستفزازاتهم المتكررة وتحويل المسافرين إلى مجرد غنائم يتنافسون على الظفر بها دون أي اعتبار سواء لشخوص المسافرين أو لظروفهم أو لأسرهم، حيث يحاولون فرض خدمات يمكن أن تسدى مجانا أو بشكل مقنن بمقابل مبالغ فيه (حمل الأمتعة ووضعها بالحافلات) أو بالتوسط للحصول على تذكرة سفر حيث أصبحت تلك الخدمات بصيغة رشاوي أمرا بديهيا ومفروضا في عدة أوقات ودون أن يطلبها المسافر، وبالرغم من أن تلك الخدمات تؤدى بشكل رديء جدا ومستفز.
أما الأمن بالمحطات الطرقية ونواحيها فيمكن أن نسمع ما لا يعد ولا يحصى من قصص الرعب والنصب والاحتيال على المسافرين وخصوصا القادمين من مناطق نائية، والذين تستغل طيبتهم للاستيلاء على أموالهم ومتاعهم، ويمكن زيارة المحطات الطرقية للتأكد أنها أضحت فضاء للنصابين والمتسكعين والمجانين والمتسولين الذين لا هم لهم سوى إزعاج راحة المسافرين وتهديد أمنهم، بل تصبح الحافلات سواء بالمجال الحضري أو بين المدن فضاء للصوصية والنشل والجرائم والتحرشات المختلفة ودون أن تتحرك السلطات لسن قوانين ووضع آليات حازمة لحماية المسافرين وضمان أمنهم.
وتعتبر الوجبات والمشروبات المقدمة بالمطاعم والمقاهي المتواجدة بالمحطات الطرقية وبالقرب منها ذات جودة متردية ومرتفعة الثمن باعتبار أن الزبناء مضطرون لأخذ تلك الوجبات والمشروبات خوفا من خروج الحافلات التي تقلهم أو نظرا لغياب الأمن بالمحطات ونواحيها؛ كما أنه يسمح ببيع مواد غذائية وأدوية ومشروبات مختلفة دون مراقبة وبطرق جد مزعجة من طرف باعة متجولين داخل الحافلات وفي المحطات الطرقية مما يعرض حياة المسافرين للخطر.
لعل كل المغاربة يتذكرون بوجل ورهبة حوادث سير مروعة ذهب ضحيتها مئات المواطنين وتم تشريد عدد كبير من الأسر وإعاقة مواطنين لا ذنب لهم سوى أنهم أو أفراد من أسرهم اضطروا للسفر في وسائل أغلبها لا يحترم أدنى شروط السلامة والوقاية، وأظن أن غالبية المواطنين المغاربة والذين لا يجدون مفرا من ركوب حافلات مهترئة اضطروا للقبول بواقع ملأ وتكديس الحافلات بالمسافرين بشكل جنوني بأعداد تضاعف طاقاتها الاستيعابية وتمر أمام أكثر من حاجز أمني بل إن بعض الحواجز قد تعرف بأمر تجاوز الطاقة الاستيعابية للحافلة ورغم ذلك "تدير عين ميكة" لأسباب معروفة لدى الجميع بسلوكات أصبح يلوكها الجميع ودون أن تتحرك الضمائر الحية والمواطنة لإيقاف هذه المغامرات الغير محسوبة العواقب، حيث يصبح السائق ومساعده آلة لجمع قطع خمسة دراهم فما فوق ولا يهتمون أيا كانت العواقب ولو كانت أرواح البشر، وتزداد حدة هذه السلوكات القاتلة وسط الطريق والتي تصبح فضاءا للسباق المحموم والجنوني بين الحافلات ومختلف سيارات النقل العمومي، سباق يغيب عنه احترام قوانين السير ليصبح قانون العاملين بالقطاع والمنتسبين إليه هو السائد، والذي يدفع ثمنه الغالي مواطنون أغلبهم بسطاء، حيث نسجل في كل السفريات تجاوزات خطيرة في الطرق، وعدم احترام للقوانين وتهورا خطيرا قد ينجو منه أصحابه أحيانا لكن نصطدم بين الفينة والأخرى بحوادث مروعة يكون تأثيرها على عدد من العائلات صادما كما هو تأثيره على اقتصادنا الوطني الهش ويتحمل المسؤولية في ذلك السائق ومساعدوه وأصحاب المركبات والمكلفون بمراقبة احترام قانون السير من شرطة ودرك، وغيرهم إضافة إلى الجهات المسؤولة عن الطرق من مجالس منتخبة ووزارة التجهيز والنقل المكلفين باستصلاح الطرق وتوفير شروط السلامة الطرقية.
ومن بين التجاوزات الخطيرة المسجلة من طرف مستعملي الطريق خصوصا من طرف مستعملي النقل العمومي (الطاكسيات الصغيرة والكبيرة على الخصوص)، الوقوف وسط الطريق والفجائي خصوصا بالمناطق الحضرية، والسرعة وعدم احترام الأسبقية بالمدارات وغيرها... الخ
وبخصوص سلوكات سائقي سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة التي تثير أيضا اشمئزاز غالبية المواطنين سواء داخل الطاكسيات أو على الطريق أو في طريقة التعامل مع الزبناء والتي تفتقد في غالبيتها للياقة وأصول احترام المواطنين والزبناء فبالاضافة للتجاوزات التي سبق ذكرها في استعمال الطريق فإن السائقين أصبحوا المتحكمين في أسعار التنقل حتى تلك الخاصة بالحافلات الخاصة بالنقل الحضري أو بين المدن ودون أي اعتبار لهبة الدولة أو لقدرة المواطنين الشرائية بل أصبح عدد منهم يشكلون ما يشبه عصابات منظمة تتحرك وفق قانونها الخاص لعرقلة السير لأجل فرض مطالب هدفها الأساسي هو الضغط على المواطنين والتأثير على ميزانيتهم بالزيادة الصاروخية في أثمنة الرحلات ولا يهمهم سوى تنمية مداخيلهم ولو بوجه غير حق وأكيد أنه يوجد بيننا من عاين بعدد من المدن مشهد طاكسيات تحاصر طاكسيات أخرى أو حافلات النقل الحضري أو النقل بين المدن لأجل فرض احترام القوانين التي خطتها تلك "العصابات" المكونة من بعض السائقين في الوقت الذي تجد أن أولئك السائقين يرفضون نقل المسافرين حتى بالأثمنة المحددة والتي تعتبر مرتفعة جدا بل يلجأون للضغط على جميع السائقين للالتزام بتلك الفتاوى للضغط على المواطنين لأداء أثمنة مضاعفة واستغلال ظروفهم وكثرة الطلب على تلك الوسائل، كما يلجأون لمحاصرة سائقي طاكسيات أخرى أو مركبات مختلفة (حصارها بواسطة الطاكسيات) يمكن أن تقوم مقامها أو تساهم في تخفيف الضغط، إلا أن جشع تلك العصابات يحول دون ذلك، ويقوم هؤلاء بتلك الممارسات باعتبار أن تلك الطاكسي هي مصدر قوتهم الوحيد حسب رأيهم، فهل لأن الطاكسي هي مصدر القوت يجب أن تتحمل فئة واسعة من المجتمع جشع هؤلاء وبلطجيتهم.
وأحيانا تكون ظروف بعض السائقين المادية مزرية مما يضطرهم بقبول نقل أشخاص لوجهات معينة حتى مع عدم اكتمال عدد المسافرين المخصص للطاكسي إلا أن عددا من السائقين يحولون بين ذلك بدعوى ضرورة احترام الأسبقية بين الطاكسيات، ورفضهم حمل شخص أو شخصين حتى اكتمال عدد المقاعد أو يفرضون على الراغبين في السفر أداء القيمة مضاعفة أو انتظار فترات طويلة مما يعتبر ابتزازا للمسافرين.
وإن مثل هذه السلوكات الاستفزازية تسببت في تأخير عدة مصالح للمواطنين خصوصا لموظفين وموظفات فرضت ظروفهم عليهم التنقل بشكل يومي في الوقت الذي يمكن للدولة أن تضع بدائل متعددة (سيارات وحافلات عمومية لنقل الموظفين والعمال) وتحقيق اختيارات متعددة للمواطنين للتنقل وبأثمنة تراعي ظروف هذه الطبقات.
ومن بين سلوكات الابتزاز لدى سائقي سيارات الأجرة الصغيرة رفضهم تشغيل العداد، مع فرض مقابل يبقى في غالب الأحيان مزاجيا، والقيام بالذهاب للمكان المرغوب فيه من طرف الزبناء بإطالة الطريق عند تشغيل العداد بمبررات مختلفة ولأجل المزيد من الاستيلاء والسطو على نقود زبنائهم؛ ومضاعفة أجرة التنقل بالطاكسيات بحلول أول الليل لتصبح مناسبة لمزيد من الابتزاز خصوصا وأن الفترة تكون فترة الرجوع إلى البيوت وانتهاء العمل والتسوق .... ليبقى المواطنون رهينون بشكل دائم لتعسفات المتدخلين في النقل العمومي؛ وقد بات ضروريا تغيير توقيت الفترة الليلية من منتصف الليل إلى آذان الفجر عوض ما هو موجود حاليا.
ومن غرائب مطالب واحتجاجات سيارات الأجرة سواء الكبيرة أو الصغيرة هو الاحتجاج على خطوط النقل الحضري للحافلات أو النقل بين المدن والقرى بالحافلات أو بمركبات النقل المزدوج والتي أكيد أن المواطنين يجدون فيها وسائل أخرى يختارون بينها الأنسب لهم ماديا ومعنويا، حيث يحاول سائقو الطاكسيات الكبيرة والصغيرة فرض أثمنة الرحلات بهذه الحافلات والمركبات بل والضغط لإلغائها أو تحديد أماكن وقوفها ... لتحافظ لهم على مداخيلهم وجشعهم وابتزازهم للمواطنين بشكل يومي هذا أمام صمت رهيب لجميع أجهزة الدولة وللتنظيمات الحقوقية والسياسية وتواطؤ مكشوف لتنظيمات نقابية.
ومن خلال هذا المنبر فالدعوة موجهة للتنظيمات السياسية والحقوقية للقيام بدورها الحقيقي في حماية المواطنين وخصوصا المسافرين ضد الابتزاز وتحويل الانسان إلى مجرد بضاعة وغنيمة تتقاذفها وتتلاعب بمصالحها شرذمة وعصابات أعمى عيونها الجشع والمصالح الشخصية الضيقة، هذا دون أن ننسى أن نوجه اللوم بقسط كبير للدولة من خلال مصالحها بوزارة النقل والتجهيز لتقوم بواجبها في المراقبة اليومية وكذا للسلطات الأمنية والمحلية لردع مثل هذه الممارسات التي أكيد أنها تضرب هبة الدولة حيث تسمح لتلك العصابات فرض قوانين مهينة ومبتزة لمواطنيها.
الحلول المقترحة: أية مقاربة حقوقية واجتماعية نريد؟
قبل كل شيء إذا كان المواطن يصوت لحكومة معينة لتنصفه وتغير السياسات الاجتماعية لصالحه ولخدمته وإذا كانت الدولة أساسا وجدت لتنظيم أمور المواطنين وسيادة القانون واحترام الحقوق، فإن قطاعا يعتبر أساسيا مثل قطاع النقل العمومي يجب أن تتدخل الدولة بكل ثقلها لحماية المواطنين وتتحمل مسؤوليتها في تنظيم القطاع من جميع النواحي تكون فيه مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وليس حماية للريع أو لجشع أرباب النقل وكذا سائقي الطاكسيات والمصالح الخاصة لجميع المتدخلين في هذا القطاع. وبالتالي فإننا نأمل في تغيير جذري للمحطات الطرقية من خلال اعتماد أحدث الوسائل في التعامل مع الزبناء: الحجز عبر الأنترنت وأماكن مختلفة على غرار بعض شركات النقل الوطنية والدولية، تحديد نوعية الخدمات المقدمة من لدن إدارات المحطات الطرقية المختلفة ووضع أثمنة رمزية خاصة بالخدمات غير المجانية، مع ضرورة توفير عربات أمام وداخل المحطة على غرار الأسواق الممتازة والمطارات بالمجان ولمن أراد المساعدة يمكنه الاستعانة بإدارة المحطة أو بمساعدين معتمدين من طرف إدارة المحطة مع تحديد مقابل لتلك الخدمات. كما أن إخلاء المحطات الطرقية من الكورتيا والمجانين والمتسكعين والباعة المتجولين أصبح أمرا ضروريا لأجل احترام المسافرين وإبعاد كل ما يقلق راحتهم.
كما يجب تكليف مستخدمين بالشبابيك يحترمون زبناءهم (من حيث اللباس، وطريقة الحديث والحوار والتواصل ومتمكنون من استعمال الأدوات الالكترونية ... ) ونظرا لاضطرار عدد كبير من المسافرين للانتظار ساعات طوال فقد بات واجبا توفير فضاءات للراحة (النوم، والجلوس بكراسي مريحة ...) وللعب الأطفال ومرافق صحية ومواد غذائية وصيدليات مع مراعاة المستوى المعيشي للمواطنين وحالتهم الاقتصادية والاجتماعية وأن لا تبقى تلك المرافق عنوانا لاستغلال ظروف المسافرين هذا مع العلم أن من يختارون السفر بالمحطات غالبهم من الطبقات الفقيرة ويجب على المصالح المختصة أن تعي ذلك جيدا عوض جعل تلك المرافق فضاء للمنافسة على ابتزاز المسافرين، كما أن عليها توفير مصالح لمتابعة نوعية الخدمات المقدمة وحل النزاعات المفترضة.
ومن الأهمية بما كان فرض مراقبة يومية دقيقة لحالات الحافلات والطاكسيات وجميع وسائل النقل العمومي سواء المتعلقة بالحالة الميكانيكية بالعربات أو احترامها لشروط النظافة والصحة داخل هذه الوسائل وتوفير جميع الخدمات الممكنة بها ولمعالجة الحالات الاستعجالية بها هذا إن كانت الدولة تحترم فعلا مواطنيها إذا غاب اهتمام شركات النقل بهذه الجوانب، ولذلك وجب وضع خطوط هواتف وبريد الكتروني مفتوحة طيلة اليوم لتلقي الشكايات بخصوص حالات العربات وتعامل السائقين وإدارات المحطات مع المواطنين وسن قوانين زجرية مضاعفة باعتبار أن السائق بالنقل العمومي له مسؤولية مضاعفة وأن عدم زجره بالشكل الحازم يعتبر في حد ذاته تكريسا لكل تلك الممارسات وبالتالي المساهمة في ارتفاع عدد حوادث السير أو المشاكل بالمحطات الطرقية.
ولا يمكن بأي حال أن نعمم بخصوص تحميل جميع السائقين والعاملين بقطاع النقل العمومي والمشرفين عليه، مسؤولية تردي أوضاع قطاع النقل العمومي، ونؤكد أنه يوجد أشراف وأناس خيرون لهم غيرة على وطنهم وعلى المغاربة، ويتفهمون لظروفهم ويتعاطون مع تلك الظروف بكل إنسانية؛ كما نؤكد أنه لا يتحمل السائقون فقط هذه المسؤوليات وإنما كما سبق فكل أجهزة الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات لها عبء كبير وضروري، كما أن المواطنين كمسافرين يتحملون عبءا كبيرا وذلك بضرورة مساهمتهم في تحسين الخدمات ومساهمتهم في نظافة وسائل النقل والمحطات الطرقية واحترام القوانين وتفهم بعض الظروف المعيقة الواقعية وعدم تكريسهم لواقع الابتزاز والاستسلام له بكل سهولة بدعوى وجود الظروف التي تفرض قبول تلك الممارسات.
كما أن خفض أثمنة التذاكر والرحلات أصبح ضروريا باعتبار أن عددا من المواطنين مضطرون للسفر والترحال بشكل يومي وأن الأثمنة الحالية لا تراعي من قريب أو بعيد القدرة الشرائية للمواطنين.
إن تغيير هذا الواقع المريب لقطاع النقل يفرض علينا تشكيل جمعيات وتنظيمات مواطنة قوية هدفها صد وإيقاف هذه الممارسات والضغط على الدولة والحكومات للحفاظ على مصالحهم وحفظ كرامة المواطن المغربي وحقوقه أثناء استعمال وسائل النقل العمومي، أما بعض التنظيمات النقابية فقد أصبحت مطية سهلة لشغب وجشع المستفيدين من ريع وفوضى النقل العمومي بل وسيلة لتوسيع هذه الفوضى وحمايتها من أي تدخل وتأثير محتمل، كما يجب على التنظيمات السياسية المواطنة أن لا يحكمها في تدخلها في هذا القطاع حماية المصالح الضيقة لبعض المستفيدين بقدر ما يجب أن تكون حساباتها مركزة على خدمة المواطن خدمة حقيقية وبأقل الأثمان خدمة تحترم أوضاع وظروف المسافرين المادية والمعنوية وتحترم حقهم في نقل يضمن كرامتهم وإنسانيتهم.