في يوم الاثنين 09 يونيو 2014 دخلت السيدة (ن خفان ) إلى قسم الولادة بمستشفى الحسن الثاني ببوعرفة لوضع مولودها الجديد ، كان الجميع يظن بأن الولادة بالمستشفى ستمر في ظروف أحسن من الولادة التقليدية في المنزل بواسطة "القابلة " .
كانت الأسرة تستعد لاستقبال أول مولود بالزغاريد والحناء ، وإعداد ما لذ وطاب من الولائم والحلويات ، رغم ضيق اليد ، فالزوج بالكاد يجد عملا بين الفينة والأخرى ، والزوجة تساعد زوجها بقيامها بأعمال التصبين والنظافة من اجل الحصول على أجر إضافي يمكن من تلبيات حاجيات الأسرة .
في يوم 10 يونيو 2014 بدأت أعراض المخاض تظهر على السيدة الحامل ، بدأ السائل اللزج (السقية ) -الذي يسهل عملية انزلاق الجنين- يخرج من الجهاز التناسلي إيذانا بخروج المولود . .خرج كل السائل ، لكن المولود لم يخرج ، فتوترت أعصاب الأم بفعل تزايد المعاناة النفسية ، واشتداد الآلام والأوجاع .
في يوم الخميس 12 يونيو 2014 على الساعة السادسة صباحا سيتوقف قلب الأم عن الخفقان ، واستسلمت الروح إلى باريها ، فانتقل الخبر كالنار في الهشيم .
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدخل على الخط :
بمجرد انتشار الخبر سارع أعضاء مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببوعرفة للاتصال بأفراد أسرة الفقيدة لطلب بعض التوضيحات ، بعد ذلك حاولوا الاتصال بإدارة المستشفى لمدهم ببعض المعلومات ، لكنهم وجدوا أمامهم الأبواب موصدة ، فاكتفوا بإصدار بلاغ مقتضب للرأي العام اخبروا فيه بحالة الوفاة حسب المعطيات التي توصلوا بها من أقارب الأسرة ، كما طالبوا بفتح تحقيق نزيه لمعرفة جميع ملابسات الوفاة ، ووعدوا الرأي العام بإعداد تقرير مفصل بعد انتهاء عملية التشريح والاستماع إلى كل الأطراف المعنية مباشرة بالموضوع .
لكن السؤال المطروح بهذا الصدد : هل الحق في الصحة والحياة هو شأن للجمعية المغربية لحقوق الإنسان فقط ؟ فأين الأحزاب السياسية الديموقراطية ؟ وأين النقابات الجماهيرية ؟ وأين الجمعيات التنموية ؟وأين الفعاليات والضمائر الشريفة ؟
سبب الوفاة :
قد يقول قائل بأن الأعمار بيد الله ، وأن لكل أجل كتاب ، أتفق مع هذا القول المؤمن بالقضاء والقدر ، لكن هذا الإيمان لا يجب أن يجعلنا نستبعد السببية ، فلكل حادث مسببباثه ، وإذا حضرت نفس الأسباب فإنها تؤدي حتما إلى نفس النتائج .
لن استبق نتائج التشريح ، لأن التشريح النزيه والموضوعي هو وحده الكافي بتحديد أسباب الوفاة ، لكن قبل صدور النتائج من حقي كمواطن أن أرجع أسباب الوفاة إلى الإهمال والتقصير والأخطاء البشرية ، والنقص في التجهيزات والوساائل ، أي بكل بساطة مسؤوولية الوزارة عن هذه الوفاة : فلماذا لم يتم نقل الضحية إلى وجدة ؟ هل لكون الزوج لا يتوفر على ثمن البنزين الكافي لسيارة الإسعاف ؟
شخصيا ليس من عادتي أطلاق الأحكام على عواهنها ، فكمتتبع أعرف بالضبط نسبة وفيات الأمهات والأطفال التي تسجل بإقليم فجيج خاصة تلك لتي يتم احصاؤها رسميا ، ناهيك عن حالات الوفيات التي لم تستقبلها المراكز والمستشفيات وتظل خارج الإحصاء .
وأعرف بأنه بمراكز الولاد ة بإقليم فجيج لازالت النساء تتعرضن للضرب والتعنيف ، وعبارات الشتم البذيء ، فمن العبارات التي يتم ترديدها على النساء المتوجعات بفعل المخاض " كان عاجبكم الحال منين كتهزوا الرجلين " وعبارات أخرى أشد بذاءة .
إضافة إلى ذلك فقد سجلنا سابقا ، وفي إطار اهتمامنا كحقوقيين ونقابيين وإعلاميين حصول وفيات بسبب الأخطاء ، وهنا استحضر حالة المرأة الحامل التي نقلت من بوعنان على متن سيارة من نوع" رونو 4 " مما تسبب لها في نزيف حاد ، وبدل تزويدها بدم من فصيلة دمها تم تزويدها بدم من فصيلة أخرى مما تسبب لها في سكتة قلبية ووفاة على الفور .
لكن بعيدا عن التحامل ، وتحريا للموضوعية والإنصاف ، لابد أن أشير بأن هناك أطر بمستشفيات ومراكز الإقليم يشهد لها بالتفاني والكفاءة والمعاملة الحسنة مع النساء الحوامل والمرضى عموما.
إكرام الميت دفنه سرا :
أعطى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الأمر بدفن الجثة ، فتمت مواراتها الثرى يوم الجمعة 13 يونيو 2014 بعد صلاة المغرب في موكب جنائزي مهيب حضره الأقرباء ، الأهل والمتضامنون .
وهنا أيضا انتهي بالسؤال :
لماذا تم دفن الجثة بعد صلاة المغرب خاصة أنه ليس من عادتنا ببوعرفة أن ندفن موتانا ليلا ؟ ألا يعتبر دفن الجثة تحت جنح الظلام من املاءات الهاجس الأمني ؟ أليس الباعث على الدفن ليلا هو الخوف من أن تتحول الجنازة إلى سخط جماهيري على السياسة الصحية المنتهجة ؟.