بعد الفيلم الوثائقي "تنغير-جيروزاليم" لمخرجه كمال هشكار، ثارت ثائرة بعض المحسوبين على الرفاق القوميين والإخوة الاسلامويين، فاتحد الصفان وشدا الرحال الى المغرب العميق ليس لمواساة أهله في تهميشهم وتفقيرهم، بل للرد بقوة على من يسعى الى جعل تنغير مهد "المطبعين" وجحر "المتصهينين"، هناك تأسس ما عرف ب"رابطة ئمازيغن لنصرة فلسطين " والذي تحول بقدرة قادر إلى "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، بعدما تأكد "بيادق" التأسيس أن أسيادهم ينزعجون من صفة الأمازيغي، بل إن هناك من لا يطيق سماعها.

على أي، ازدان فراش القضية الفلسطينية بانتهازي جديد، يتلاعب بمشاعر الأبرياء ويتاجر في قضية إنسانية يجدر التعاطي معها بشكل أكثر واقعية وعقلانية، مولود يتغذى على معاناة ومأساة المواطن الفلسطيني المقهور، وشعبه الأعزل الذي يعاني بين مطرقة الاحتلال وسندان تآمر وتخاذل القادة والساسة والمرتزقة ، في تغييب لكل منطق سليم وضمير حي.

توالت الأيام وبدا بجلاء تخبط المرصد المعلوم وافتقاده الى إستراتيجية عمل مسؤولة، جادة وحقيقية، بالنظر إلى كون تأسيسه جاء كردة فعل متسرعة وطائشة، فلا أرضية ولا أهداف ولا خطة عمل مدروسة، فالمرصد جاء بعدما شعر أصحابه أن أساطيرهم التي تتأسس على الفكر القومي الضيق بدأت تسقط تباعا، ونضال الكوفية يتراجع يوما بعد آخر بفعل فطنة المغاربة -على تأخرها-، واقتناع المواطنين أن العمل لتازة أولى من العمل لغيرها.

أجدني مضطرا إلى التأكيد أن المرصد المذكور لم يتأسس في تلك الظرفية وبتلك الكيفية وفي ذلك المكان إلا لمبرر واحد، شن الهجومات وكيل الاتهامات للأمازيغ و الأمازيغية، ورميهما مع سبق الإصرار و التعمد ب"الصهيونية والتطبيع"، كسلاح صدئ أكل عليه الدهر وشرب، فليتأكد المرصد وزبانيته أن الأمازيغية و الهجوم عليها سينال رضى أساتذة القومية العربية بالمغرب، إلا أن ذلك لن يضمن للتلميذ اللحاق بركب أستاذه الميتولوجي، لأن الأستاذ لا يثق في من سواه خاصة إذا تعلق الأمر بتلاميذ "برابرة".

إن ما دفعني إلى العودة إلى موضوع المرصد النكرة هو "إفراجه" عن لائحة مفترضة لأشخاص ولمؤسسات ممن يطبعون مع "الكيان الصهيوني"، في خطوة غير محسوبة العواقب والأبعاد التي يمكن أن تتخذها، لائحة تضمنت أسماء مواطنين أعطى المرصد لنفسه الحق في التشهير بهم وتعريض سلامتهم النفسية والجسدية للخطر عبر خطاب تحريضي تخويني، لم يخل من إرهاب نفسي خاصة أنهم رموا ب"العمالة".

لست أفهم لمَ لمْ يسع مرصدهم إلى فضح الفساد والمفسدين من أباطرة الريع في المغرب عوضا عن تكريس خطاب التخلف والتضليل، لست أدري لمَ لمْ يشر القيمون على المرصد إلى انتعاش حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل بنسبة تزيد عن 130 بالمئة في ظرف سنة واحدة في عهد حكومة أولي نعمتهم، لست أدرك لمَ لمْ يندد المرصد باستقبال وتوشيح صدور "الصهاينة" خلال لقاءات باسم "مناهضي التطبيع".

فليعلم المكديون أن الصهيونية حركة عنصرية بغيضة لا تختلف في شيء عن كثير من الحركات التي تستبيح خصوصية الشعوب وتحاول أن تؤسس لنفسها قلاعا على أنقاض ثقافة وحضارة وهوية الشعوب، ولا يملك كل ذي فكر سليم إلا أن يندد ويشجب ويقف ضد كل الحركات الصهيونية، وبدون استثناء. فليعلم المرتزقة أنهم تطاولوا على سلطة الدولة المغربية وأضروا بمؤسساتها خاصة مؤسسة القضاء، فليعلموا أيضا أن التطبيع قرار الدولة والمؤسسات وليس قرار مواطنين مناصرين كانوا أو مناهضين، فليعلموا أن الارتزاق السياسي على حساب آلام ومعاناة الآخرين جريمة في حق الأخلاق والضمير، فالشعارات الجوفاء ودغدغة المشاعر موقف رخيص ومتجاوز، لقد آن الأوان أن يتملك من يظن نفسه وصيا على الشعب الفلسطيني، الشجاعة للتفصيل في "المطبعين" حتى نتأكد من جرأته ومصداقية خطابه بدل سياسة النعامة المكشوفة.

كأمازيغي –وهذا يلزمني- أتضامن مع الشعب الفلسطيني فيما يتعرض له من تنكيل الصهيونية الداخلية من جانب الأشقاء والخارجية من طرف الغرباء، لكن ليس بمنطق المرصد الضيق، فلا ولن أرضى بالعروبة بديلا عن إنسانيتي عموما وأمازيغيتي خصوصا، كما يفعل الكثيرون ممن أنساهم الرباط والرفاق حقيقتهم و سقطوا في "العهر الهوياتي". إن الأمازيغ ليسوا في حاجة الى دروس في التضامن من جهات وخاصة من أشخاص يعرفون متى ولمن يصفقون.

إن العباءة الدينية التي تحاولون بها التستر على نواياكم القومية أضحت شفافة تكشف زيف خطابكم، فغيرتنا على أرضنا لن تضاهيها غيرتكم على أرض الشام مهما حاولتم أن تكونوا فلسطينين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وليتذكر القوميون أن لنا وحدة ترابية يجب أن تستكمل، شمالا وجنوبا، هذا الجنوب الذي أوصله منظرو البعثية المقبورة إلى صراع مفتعل نعيش تبعاته إلى اليوم في الوقت الذي لقد دأب فيه أساقفة المرصد أن يحذروا المغاربة من "مخطط خطير" لتقسيم بلدهم الى دويلات.

ختاما، نذكر من يغير في العباءات أن الأمازيغية والأحرار من مناضليها، أقوى من يتأثروا أو يقعوا من فخاخ المرتزقة وتكالب المغرر بهم، سيظل المناضل الأمازيغي صوتا حرا يقض مضجع من يعاديه ويسعى إلى تخوينه والتشكيك في مشروعه .