زادت في الآونة الأخيرة حدة و خطورة الهجوم على رجال التعليم, إذ لم يعد هذا الهجوم مقتصرا على ما يتعرض له رسل الأمة من تعنيف سواء من بعض التلاميذ و آبائهم أثناء ممارسة واجبهم, بل وصل الأمر إلى أعلى مستويات صنع القرار متمثلة في رجل التعليم السابق و رئيس الحكومة الحالي السيد عبد الإله بنكيران, الأمر الذي يدعو إلى ضرورة البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الاستفزازات و التحرشات الدائرة بفئة عريضة قال فيها الشاعر ذات يوم:
قم للمعلم وفه التبجيلا///كاد المعلم أن يكون رسولا.
من المعلوم أن الهجوم الذي يتعرض له رجال التعليم في بلدنا ليس وليد اليوم, بل يرجع إلى عقود خلت, و لعل من أهم أسبابه في نظرنا, أن هذه الفئة كانت دائما هي الفئة المزعجة و المقلقة للنظام, إذ نجد أن أغلب "النقابيين الراديكاليين, المشاغبين" و المعارضين المتمردين المنادين بالتغيير, كانوا دائما من رجال التعليم, فكان من الطبيعي جدا أن يلجأ النظام إلى سياسة "العصا و الجزرة" في التعامل مع هذه الفئة و نهج أسلوب الترغيب و الترهيب معها, باستمالة و احتواء بعضهم عن طريق منحهم امتيازات عدة و الزج ب"القاسحة رؤوسهم" في غيابات السجون.
و بما أن الإعلام هو صاحب الدور الأكبر, إما في خلق نجوم من ورق أو في المقابل تشويه صورة أناس شرفاء, فقد عمل النظام المغربي على استغلال هذه الورقة (أي ورقة الإعلام) خاصة مع ظهور ما يسمى بالإعلام الإلكتروني الذي لا يضبطه ضابط, للنيل ممن يعتبرهم الشر الذي لابد منه ألا وهم رجال التعليم, فعمل على توظيف و استثمار بعض أشباه الصحافيين الذين لا ضمير و لا وازع لهم, همهم هو مراقبة و اقتناص "زلات" و "كبائر" رجال الطباشير, و تصويرهم للرأي العام و كأنهم شياطين يأكلون و يشربون بلا مجهود يذكر, فأصبحت نتيجة لذلك لا تستغرب أن تجد يوميا أخبارا تملأ صفحات بعض الجرائد الصفراء و المواقع الإلكترونية المأجورة كلها عن "جرائم" و "فضائح" الاغتصاب التي "يقدمون عليها في حق تلامذتهم", إلى درجة لم يعد من العجيب أن يخرج رئيس الحكومة الموقر ليتهمهم ضمنيا بالشذوذ الجنسي و يأمرهم بعدم تقبيل تلامذتهم درءا للسقوط في "حبهم".
و إذا كان النظام و من خلال الإعلام يتحمل القسط الأكبر من هذه الهجمة المتواصلة ضد رجال التعليم, فإن هؤلاء أنفسهم يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية فيما يقع عليهم من هجوم و تحرش, نظرا لغياب تلك الوحدة و اللحمة التي كانت تجمعهم و طغيان الانتهازية و الأنانية, بعدما كان رجال التعليم مثالا في الوحدة و التضامن, يضاف إلى ذلك تواطؤ و تقاعس النقابات في الدفاع عن هذه الشغيلة, و خير دليل على ذلك, الاقتطاعات التعسفية من أجور المضربين و توقيف القوت اليومي للمئات منهم دون أن تحرك هذه النقابات ساكنا, فلو حدث مثل الذي يحدث عندنا في دولة كفرنسا "لقامت القيامة" و لأعلنت النقابات عصيانا مدنيا يشل الحركة في كل القطاعات حتى تعود الأمور إلى نصابها.
و من أمثلة الهجوم على رجال التعليم, أنهم إذا أضربوا للمطالبة بحقوقهم, رأيت بعضهم(وخاصة من أشباه الصحافيين الذين يكتبون تحت الطلب), لا يتأخرون في وصفهم بالانتهازيين الذين لا تهمهم سوى مصالحهم, و وجدت آخرين يتزايدون عليهم ب "مصلحة التلميذ", و كأن هذا الأستاذ المغلوب على أمره و الغارق في الديون, ليس له ابن تلميذ أو أخ تلميذ أو ابن أخ تلميذ!!.
إن رجال التعليم ليسوا شعب الله المختار و لا ملائكة الرحمان, ففيهم الصالح و الطالح, الجواد الكريم و البخيل الشحيح, المجتهد المجد و الكسول المتقاعس, الغيور على أبناء الشعب و الانتهازي الذي لا يهمه سوى "آخر الشهر", الحي الضمير و الميت ضميره, فيهم المكبوت جنسيا الذي نشأ تنشئة شاذة و فيهم الحسن الخلق الذي ينأى بنفسه عن كل ما من شأنه أن يجلب له الشبهات.
إن الأستاذ باختصار إنسان كباقي الناس و مهنة كباقي المهن, فالفقهاء أيضا فيهم من يغتصب الأطفال دون أن يعني ذلك أن جميع الفقهاء شياطين و مجرمين, و قساوسة الفاتيكان تنشر بشكل شبه يومي فضائحهم الجنسية دون أن يعني ذلك أن هؤلاء في سلة واحدة و الكثير من الأطباء ضبطوا وهم يخدرون مرضاهم لممارسة شذوذهم الجنسي عليهم دون أن يعني ذلك أنهم جميعا شواذ و القضاة منهم من يبتز الناس لتلبية رغباته الجنسية دون أن يعني ذلك أن القضاة كلهم عقولهم في "قضبانهم" و الوزراء و كبار رؤساء الدول(هولاند, ساركوزي, برلسكوني...) و رجال الدرك و الشرطة و التجار... و بالتالي فلا يمكن أخذ حالات معزولة و نادرة جدا و إسقاطها على فئة عريضة بأكملها, إلا إذا كان ذلك لغايات أخرى.
هام جدا:
اكتفيت باستعمال رجال التعليم دون نساء التعليم لأنهن لا يتعرضن لمثل هذه الهجمات, و حتى إن حصل, فهو أمر نادر.