عدجو هي نموذج لإمراة كانت ومازلت تكابد من أجل الحياة، ولا تنتظر رد الجميل، تَعلم ولها اليقين أن ما تفعله وتقدم التضحيات من أجله، في بادر قارس، شمس حرة وجبال موحشة، هي أن تعيش وتضمن قوت أبنائها وعائلاتها، فهي رأس مالها الخاص، لم تعرف إلى المدرسة طريقاً، وما اكتسبته من تجربة الحياة أعطاها قدرة على حل أعقد الأمور وأكثرها استعصاءا، كذلك لم تنال من التعليم الديني حقها، ومع ذلك، فإن إيمانها لا يضاهي، تجدها تحثك على الصلاة وتستجدك ليل نهار لعل قلبك  يهتدي إلى ما تصبو إليه.

    في مشهد تتحول فيه عدجو إلى كُومة تتحرك وتتنهد تحت أطنان من الأعشاب "تزدمت"، اعتبرت نفسي محظوظا لاني وجدتها في وضعية أراها بحاجة إلى مساعدة أحد، بذلك حاولت مساعدتها على الوقوف، عادتْ إلى وضعيتها وهي تقول"ها أنت الان تمد لي يدك للمساعدة لكن ماذا عن الغد؟" مغزى ما قلته واضح دون غموض، تركتها تنهض لوحدها، تبعت خطواتها وهي تتكلم دون انقطاع، مواضيعها تتقاطر عليا لم استطيع حتى تركيبها متسلسلةً، أقع حرجا عندما تسألني أأوافقها الرأي في ما تقوله...وصلت إلى حظيرتها التي تتوزع فيها ماشيتها، ولم تكد تسمع صوتها حتى تعالى ثغاؤها، تتحدث إليهن كأنها تفهم ما تقوله، وزعت ما حملته، لكل نوع منها وجبته الخاصة.

   انتهت حلقة بسيطة واعتيادية من يومياتها لتنهل بعد ذلك مسرعةً، لتحضير وجبة العشاء لجيش من الأطفال، أحلا أوقاتها هي تلك التي تقضيها رفقة عائلتها في انتظار وجبة العشاء، اثناءها يتجاذبون أطراف الحديث. ماشيتهم، أخبار جيرانهم وأبنائهم المشتتين في أوراش البناء بــ"أزغار"هي المسيطرة على أحاديثهم، ولا يربطهم بالعالم الخارجي سوى مذياع يعمل بالبطاريات، فينتقلون إلى عالم ناء لا يفقهون منهم إلا القليل.

    لكن عدجو تتركن في زاويتها المعتادة، وتتحدث بشكل يتلاءم فيه كلامها مع حركة المغزل، تستغل تلك اللحظات لنسج ما يوفي حاجيات عائلاتها، ويحميها من زمهرير الشتاء القادم.

     في الصباح الباكر عدجو هي أول من تستيقظ في بيتها، مع العلم أنها هي أخر من يأوي إلى الفراش، بعد أن مرت عليها ليلة وهي تترنح  بين اغطية بالية تتجاذبها مع طرفها الثاني كل في زاويته.

   فقبل صياح الديكـ تكون في المطبخ...أواني من مختلف الأشكال ولون واحد مبعثرة فوق صخرة حفرتها أيادي مبدعة خلقت منها لوحة فنية رائعة تستغلها عدجو في ترتيب أواني يلفها السُخام، رغم أنها حريصة على تنظيفها يوميا أكثر من مرة...تنطلق يومياتها بوضع الجمر الذي مازال ساخنا من الليلة الماضية، وتبدأ بغلي الماء للإعداد وجبة زوجها المفضلة التي تكون في الغالب عبارة عن حساء بالشعير ويضاف إليه اللفت المحلي"تمازيغت" فكلما حضرتْها قبل أن تبزغ الشمس تنال راضاه ويستحسنها، يجلس في موقعه المعتاد يوميا بين حظيرته ومنزله الذي يتيح له مراقبة كل حركة في الجوار، ويتلذذ وجبته وهو يتفقد الأفق يراقب أشعة الشمس وهي تسلل بين القمم المجاورة، حالما تبدأ بالوصول إلى حظيرة ماشيته يعتبر ذلك جرسا وينهض مسرعا لفك اسر بعضها التي يسميها "ترحلين" أي تلكـ التي يتابع خطواتها بين شعاب وقمم ""أدْرَارْ"، وتأخذ منه معظم وقته بل تجده في بعض الأحيان يسمح في ظروف الاستقرار المريحة بدوار ويبحث عن مجالات توفر لماشيته كلاء أحسن وأفضل.

     بعد ذلك عدجو المخلصة في عملها لا تعود إلى الجلوس، فهي لم تفكر يوما أن تأكل قبل أن تعلم أن ماشيتها وأطفالها قد استوفت ماهو مطلوب منها اتجاههم، فهي منشغلة بأطفالها الذين لا تكاد تميز بنيهما لتقارب أعمارهم تتعب باشغالهم وطعامهم، لا تكلف نفسك لتشرح لها أهمية تنظيم النسل، فرغم أن عددهم يفوق العشرة، فأنها لا مانع لديها بإضافة أخر، خصوصا إن هنالك إرادة إلهية تشأ ذلك.

   احاديثها تعبر أنها امرأة محظوظة، وأنها في كامل سعادتها مع زوجها، الذي لا تتصرف دون استشارته تخفض صوتها عندما تكون بمحادثته...فهو أسد الأسرة سلطته وشهامته وصوته المرتفع ما فتئ يرفع من نبراته تعبرا منه أنه ملكهم...تراها تمجده رغم أنها لا تنطق باسمه وتبنيه في صيغة المجهول، ذلك لا تحقيرا منها له، لكن هكذا تعلمت من أمها أن الأحاسيس أكبر من أن تنطق.

  بذلك فيوميات عدجو متشابهة لا تتبدل، مثل سبحة محدودة الحبات تحصر وجودها، فهي لا تعرف الراحة ولا تنعم بها إلا عندما تضع مولود آخر، فحياتها عبارة عن طقوس متتالية لا تغير فيها اللهم تلك التي تشير إلى تعاقب الفصول، وبذلكـ فهي لا تعرف سوى العمل والتعب .

  ولم يكن قدرها بأفضل أو اسوأ من نساء الدوار الأخريات، خلف ذلك في قلبي شعورا بالقداسة والإجلال والإكبار اتجاها و اتجاه "عدجوات" الاخريات اللواتي  يعشن على نفس نمطها، فهن لا ينتظرن 8 مارس  ليحتفلن، تربين وتعلمن أن أسمى ما في الحياة، هي أن تعيشها لا لأجلك لكن لمن يحيط بكـ، وأن ترضى بالقليل، ويملكن ذكاء خارقا جعل من هن محللات ذات حنكة يكتشفن خداع نضالتهم وأصواتهم المدفوعة الثمن، هدفها الأسمى هو تزين أرشيفهم النضالي ولو على حساب معاناة البسطاء.

   تجبك عدجو بكل اقتناع عندما تبدأ لها في شرح كل المستجدات القانونية وما يُحْبَكُ في الرسميات يرومون من خلالها تخفيف معاناتها على حد ما يصرحون به، تكتشف خدعة ذلك وتقول على شكل أنشدة مفادها انها مللت من الوعود الكاذبة لأهل الحال الذين لا يهمهم سوى بطونهم، وعلى الشكل التالي:

" Boutnbat Gan kollo Tikhndalasin***hatin Ort ihma khs Adis ns "