بسم الله
إنطلق قطار الأفلام الهندية في فترة الستينات حين اضطرت شركات التوزيع المغربية وَقتَذاك إلى البحث عن ما تسد به الفراغ السينمائي بسبب الحصار الذي ضُرب على الأفلام المصرية جراء موقف مصر المؤيد للجزائر إبان حرب الرِّمال التي اندلعت في أكتوبر من عام 1963. دون شك، كانت إنطلاقة ناجحة إستقطبت جمهور عريض من مختلف شرائح المجتمع المغربي، حتى انك تجد من هو مدمن على مشاهدة الأفلام الهندية.. لا يمل من مشاهدة نفس الفلم لمرات عديدة. بالطبع لا يهمنا في هذا الموطن هل كتَّاب السيناريوهات عبدة بقر أم مسلمين؟ بقدر ما يهمنا البحث في عمق الشيئ و أخذ الحكمة و الاستفادة منها.
يقال عن إنتاجات السينما الهندية بأنها فقط أفلام ذات طابع تجاري، و لا تملك القيمة الفنية و مقوماتها، و تَقِـل فيها إمكانيات التأثير الإيجابي على ذوق وذهنية المشاهد المغربي. لكن نهاية أغلب الأفلام الهندية تخالف هذه الإنتقادات جملة و تفصيلا.. يُسجن أو يُقتل المجرم، و ينتصر البريئ أو صاحب الإنسانية، ينتصر الصدق على الكذب، و يجتمع الشتات و يعلو الحق.. تنتهي بانتصار الخير على الشر، و بسعادة غامرة و فرحة عارمة وسط شخصيات الشاشة و جمهور القاعة. و السبب في نجاح الأفلام الهندية راجع إلى سببين رئيسيين.
1ـ هو جودة مضمون السيناريو الهندي الذي استطاع أن يجسد بشكل دقيق جدًّا الصراع القائم بين الطبقات الإجتماعية لدول العالم الثالث، خاصة بين الطبقة الكادحة المهمشة و الطبقة البورجوازية المستكبرة المتحكمة في مفاصل الدولة الرئيسية. غالبا ما نشاهد في الأفلام الهندية أن رنة واحدة من هاتف عفريت أو تمساح كبير، تحرك جميع الأجهزة القمعية المستبدة التابعة للسلطة و المجموعات البلطجية المأجورة لتقتل و تصفي و تغتصب و تسجن و تحرق المنازل و العباد.. دون رحمة أو شفقة، و تبقى بعض العناصر السياسية و الأمنية المُحبة للعدالة و القانون في حيرة من أمرها تحت حزمة من التهديدات القاسية التي ترغمهم على السكوت أو المشاركة في جرائمهم، حتى يكبر البطل الفقير المظلوم من الطبقة المقهورة على جميع المستويات و ينتصر به الحق في النهاية بعد تضحيات كبيرة، ثم يتزوج صاحبة إنسانية، إما رفيقة دربه، أو إبنة رجل سياسي خائن أو بورجوازي ظالم أو أميرة.. نهاية تبرز اندحار الباطل مهما طال استعلائه.
2 ـ السبب الثاني راجع إلى ذكاء المخرجين السينمائيين في إختيار أبطال الفلم الذين يتمتعون بمهارات فردية عالية في ترجمة رسائل نص السناريو التي تحارب الخوف و اليأس و الصمت و الكسل و تشجع على الرغبة في التضحية و على عدم إحتقار الذات و النفس، و على صناعة الإرادة و العزيمة لتخطِّي كل العقبات و صعاب الحياة.. و يترك تعدد أنواع الخطابات و المَشاهد المتكاملة في الفلم بصمة خاصة بميزة موشوقة جدا، تتجول بذهنك و مخيلتك كيفما تشاء رغما عنك، حتى يتشابك حدسك متذبذبا و تطلع المفاجأة السارة و تنطفئ خيبة الأمل ، فهي تخاطب المظلوم و تنتصر له، تخاطب السجين البريئ و تطلق صراحه، تخاطب الإنسانية و تكتب أسماء أبطالها من ذهب في التاريخ، تخاطب المناضل و تثمن مجهوداته و تضحياته، تخاطب الصديق و تمنحه صفة الأخ العزيز، تخاطب الظالم و تهلكه بنهاية مأساوية ( حاكمًا أو محكوما)، تخاطب الكذابين و اللصوص و الأنذال ثم تفضحهم و تمقتهم أو تسجنهم.. تخاطب أشرار الأثرياء و السياسين المجرمين الخائنين للشعب و تذلهم و تستصغرهم و تهزمهم على أيدي الضعفاء (كأن كتاب السيناريوهات علموا سنة الله تعالى في نصر الحق على أيدي الضعفاء) .. هذه اللمسات الفنية المعبرة عن أحاسيس المتعطشين للعدل الإجتماعي و الحق تزيد من إقبال الجمهور على مشاهدة الأفلام الهندية، كل واحد له ما يجذبه إلى الفرجة ، و أثر رسائل الفلم الهندي تظهر واضحة على المشاهدين بعد إنتهائه. فلا نقاش و لا كلام إلاَّ على أحداث و وقائع الفلم الهندي.
إذن العاقل الباحث في هذا الشأن يدرك بأن الأفلام الهندية ظلت مؤرقة لرموز الفساد في السلطة و الطبقة البورجوازية خلال العقود الماضية، و أكيد لم يخطئ من قال بأن تسهيل عملية توسيع رقعة إدمان مخذرات الحٌشيش و الكِيفْ وسط شباب الطبقة الضعيفة المقهورة في الماضي كان أمرا مقصودا و مدروسا خططت له أيادي الفساد في الدولة المغربية لمحاربة الوعي الديني و السياسي.. و لكي تصبح دروس الأفلام الهندية في الكفاح و التضحية و النظال.. حطاما لا تتعدى خيال المعجبين بها. لكن أظن أنه في زمن الأنترنيت و تنوع مواقع التواصل الإجتماعي خابت الأقلام المأجورة التي عملت على خداع ذهن المواطن العادي بقلب المفاهيم و الحقائق، و على صناعة أحداث مموهة مملة تهدف إلى التستر على تلك الخطط المبيتة و الإنتهاكات السياسبة الجرائمية التي خربت البلاد و أفسدت و دمرت عقول العباد.. الحقيقة تَصِلُ كاملة مذوية مهما طال الزمن و علا بوق التشويش على الفئة القليلة التي لها دراية بلعبة خلف الكواليس، سواء عن طريق الإرشاد أو عرق الجبين بفضل الله و رحمته. و أعتقد أن المراحل القادمة كفيلة بأن تسلم سكين التاريخ لجنود الحق الذين يسعون إلى تطهير التاريخ من المجرمين الجبناء الذين وصفوا بأبطال التقدم و البناء.. دعني من خدام الدولة العميقة الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
.. لم أنس ذلك الممثل الطفل الذي لعب دور الممثل " أميتاب باتشان" صغيرا يكتشف الحياة بين أحياء الفقراء التي تسيطر عليها قوى الشر، و هو يقرأ في الكتاب أحد الأمثال الهندية داخل بيت محيط بمشهد مخرَّب حزين، يردد قائلا: لا يستقيم ذيل الكلب أبداً..لا يستقيم ذيل الكلب أبداً..لا يستقيم ذيل الكلب أبداً...
اليوم كلما أرى طاغية متجبرا و متسلطا، أو مسؤولا متفرعنا، أو معاندا منحازا إلى قوى الفساد و الظلم عمدا عن علم، أو موظفا متكبرا يستغل منصبه لإحتقار بسطاء المواطنين و لا يعرف للأخلاق معنى، أو سياسيا خائنا و مجرما أو مكذبا لآيات الله تعالى و محاربا لمنهاج الإسلام و أحكامه.. لا يَعتبرون و لا يُريدون سماع الحق المبين، و لا تهمهم إلا مصالحهم، أقول: صدق فيهم المثل الهندي.. لا يستقيم ذيل الكلب أبداً.. لا يستقيم ذيل الكلب أبداً.. و صدق قول الله تعالى: ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ).
https://www.facebook.com/khale.yassin