لطالما أشرنا بأصابع الاتهام إلى السياسة الرسمية للدولة فيما تعانيه الامازيغية في بلدنا. وإذا كنا نؤمن أشد الإيمان بدورها الحاسم في الوضعية المزرية للهوية و الثقافة و اللغة الامازيغية في وطنها الأم، فانه يتعين علينا أن نقر و نعترف بما اقترفناه نحن كذلك كأبناء لها في حقها بعيدا عن الانتهاكات الجسيمة للدولة المغربية تجاهها.
صحيح أن الامازيغ كانوا ضحايا سياسة رسمية سنت منذ فجر الاستقلال بل وقبله حاولت تغيير معالم الكينونة والخصوصية المغربية، وهكذا وظفت ثنائيات تحمل في طياتها الكثير من قبيل المقدس/المدنس، الثقافة/الفلكلور، المتحضر/المتخلف، النافع/غير النافع، إلى غير ذلك من أباطيل ظلت تقض مضجع المواطن المغربي البسيط الذي سعى وبكل الطرق لبلوغ الطرف الأول من الثنائية، وحاول جاهدا التنكر لصلب هويته ظنا منه أنه يحسن صنعا، فارتضى مرغما بطريقة أو بأخرى، عن وعي وعن لاوعي ،ارتضى لسانا غير لسانه، لباسا غير لباسه، عادات غير عاداته، أسماء غير أسمائه، وثقافة غير ثقافته. بل الاسوء من كل هذا أنه أصبح يتفنن ويتلذذ بالتهكم والتهجم على كل ما هو مغربي أصيل ويستميت في الدفاع عن أسمال رثة وفدت إليه من مكان بعيد وأوهمته السياسة الرسمية أنها حقيقة انتمائه و انه بها يستوي مع غيره من "المتحضرين" وأن كل ما دون ذلك مجرد وجود يحيل على التخلف والبدوية.
إننا مواطنون يلزمنا وبكل شجاعة تصحيح المغالطات الكثيرة التي نعيشها مع ذواتنا وأهلينا ومحيطنا. إن أول ما يجب على المرء في هذا الصدد أن يكون صادقا مع نفسه في قبول مشيئة الله في خلقه، أن يؤمن بالاختلاف الذي سيظل سنة أبد الدهر، أن يفتخر بذاته – بعيدا عن التكبر و التعصب – ، أن يعتز بهويته وبانتمائه،ألا يجد حرجا في التعريف بنفسه كما هو، في علاقاته مع غيره، في الحديث بلغته في سفره ومستقره، ألا يجد حرجا في الكشف عن أصله دون أي مركب نقص قد يكون نتاج عقود من التطبع بطباع الغير. الأكيد أن احترام الآخر لنا وكسبنا لوده يكون بالقيم التي نملكها و السلوك الحسن الذي يصدر عنا لا بالتقليد وبالتبعية العمياء له.
في بيوتنا، يجب تربية الناشئة على الافتخار بالذات، على تعلم لغتنا النفيسة و الانفتاح على غيرها من اللغات، على التشبع بالقيم الامازيغية الأصيلة، يجب علينا تربيتهم على الافتخار بأسمائنا الامازيغية وأن نجعل نقل موروثنا الثقافي إليهم أمانة في أعناقنا. إن ما يحز في النفس و يندى له الجبين أن نجد آباء أمازيغ تنكروا لكل ما هو أمازيغي، فلا أمازيغية في أسماء بنيهم ولا في ألسنتهم ولا غيرة لهم على أمازيغيتهم، فتجد أبناءهم عاجزين عن مخاطبة ذويهم في عقر ديارهم ممن يجهلون اللغات الأخرى. لقد آن الأوان أن يتشجع كل واحد منا ليتصالح مع ذاته و يصالح أبناءه مع هويتهم و لغتهم و ثقافتهم، وانه لمن دواعي الفخر أن حبانا الله بلغتنا و إتقان لغات غيرنا.
في الشارع وفي العمل وغيرهما من الأوساط، والى عهد قريب جدا، كثيرا ما كنا نجد المواطن المغربي وبكل أسف وحسرة يحاول طمس واخفاء أمازيغيته ويسعى إلى عدم انكشافها، لماذا يا ترى؟؟ إننا مغاربة حتى النخاع، وهذا وطننا الذي ليس لنا غيره، نعتز بثوابتنا وحري بنا أن نفتخر بمغربيتنا كما هي، كفانا من احتقار ذواتنا، كفانا من عقدة الدونية، كفانا من التصنع المقيت، كفانا من البروتوكولات الزائدة، لنتعود على التصرف بتلقائية مسؤولة، لنعود غيرنا على قبولنا كما نحن، لنعود غيرنا على تقبل لغتنا، لنتعود معا على الحوار الحضاري والراقي، لنتجاوز الأحكام المطبوخة الجاهزة والمواقف الشعبوية، لنفتخر بإرثنا وتراثنا الثقافي، لننبش في ذاكرتنا الجماعية، لنتعايش مع غيرنا واختلافه عنا، ولنرغمه على فعل ذلك، إنها لبنات المغرب الجديد الذي ننشده.
إن أمقت سلوك هو التعصب والعنصرية ومحاولة استئصال الآخر، ولهذه الأمراض المجتمعية دواء في القيم الامازيغية التي تتسم بالسماحة و الشمولية و النزعة الإنسانية، قيم ملؤها المروءة و المرونة، وأكيد أن التحلي بهذه القيم لخير وسيلة للتعامل مع الغير. إن النداء هذا، أوجه إلى نفسي قبل أن أتوجه به إلى غيري و أتمنى صادقا أن يصل إلى كل أحرار العالم الذين يسيؤون إلى هويتهم سواء بالتنكر أو التعصب لها.