بعد كل ما يليق بمقامكم سيدتي الوزيرة من كلمات التقدير والاحترام، أود بادئ الأمر أن أشكركم جزيل الشكر على دعوتي لحضور المنتدى العربي في موضوع : "المرأة والإعلام في ضوء المستجدات الراهنة"، دعوني سيدتي أن أعترف لكم أنها المرة الأولى التي تبادر فيها جهة رسمية بحجم وزارتكم إلى دعوتي – باعتباري فاعلا أمازيغيّا يهتم بالقضايا التي تهم المجتمع المغربي عموما والأمازيغي على وجه الخصوص- للمساهمة في إغناء النقاش وتبادل الرؤى حول قضية تتربع على عرش قضايا مجتمعنا من حيث أهميتها وحساسيتها.
صحيح أن الدعوة تعد تشريفا ليس لشخصي بل للفاعل الأمازيغي أينما كان، صحيح أن المناسبة كانت لتكون فرصة ثمينة لتصحيح بعض المغالطات التي تطبعنا بطبعها وتقديم وجهة نظر ثانية ستشوش على ثلة من ضيوف منتداكم وإن كان الشك لا يراودني في كونها مؤسّسة ومنطقية، صحيح أن اللقاء كان ليكون فرصة للقاء شخصيات قدمت من بلاد أخرى، وتنتمي إلى ثقافات أخرى، وتعيش واقعا آخر. كلها إذا إغراءات تمكّنت مني وبقوة، وجعلتني أتردد وأتأخر في حسم قرار الحضور من عدمه. بعد طول تفكير إذا، قررت ألا أحضر وعوضا عن ذلك، أن أخط إليكم هذا الاعتذار، مع تضمينه ما أريد أن أوصله إليكم وإلى ضيوف منتداكم من الداخل والخارج.
في البداية اشتمّ من دعوتكم سيادة الوزيرة رائحة الاستخفاف، فدعوتي بصفتي ناشطا في الحقل الجمعوي الأمازيغي إلى لقاء أريد له أن يكون "عربيا" يدخل في خانة المتناقض، لست أعادي أحدا في زمن المواطنة الكونية، إلا أنني كنت لأقبل الدعوة لو أن اللقاء يتم في وطن المرأة العربية، أما أن يسجل علي التاريخ أنني أزكي طرحكم الذي يجعل المرأة في شمال إفريقيا المتنوع عربية وكفى، فهو من باب المحال، ومبادئي تجعلني أعتذر عن قبول دعوتكم الكريمة. لقد كان من الأجدر بالقيّمين على هذا اللقاء الهام أن يدركوا أن المرأة العربية ليست وحدها التي تعيش فوق هذه الأرض، ولن ندخل في مناقشة الثابت والمتغير في تحديد هوية الشعوب، إلا أنني أهيب بكم أن تتفادوا مثل هذه المنزلقات المفاهيمية سواء كانت متعمدة – وهو الأرجح - أو عفوية.
تأكدوا سيادة الوزيرة أنني لست من طينة من يسعون ويستمتعون بالتقاط الصور مع الوزراء وعلّية القوم، لست ممن يسعى إلى الحصول على هواتف المسؤولين الكبار لاستعطافهم بهدف الارتقاء الاجتماعي ضدّا على الكفاءة، يهمني ويثيرني أكثر أن أتفاعل وأتناقش وأتبادل الرؤى والتصورات مع الغير مهما اختلفت معه في حدود الاعتراف المتبادل بالخصوصيات، والاحترام الواجب لكل الاختلافات.
من جهة أخرى، تأكدوا أن إقصاء المرأة من جهة وتجاهل المرأة الأمازيغية من جهة أخرى يعني الابتعاد أميالا كثيرة عن التنمية المنشودة، الإعلام الذي هو محور أساسي في هذا اللقاء مدعوّ أكثر من غيره إلى تغيير الصورة النمطية لنسائنا، مدعوّ إلى الإنصاف، إنصاف كل النساء ومن كل الخصوصيات، والقطع مع التصوير الذي ينتقص من صلاحيتها ويحط من قدرها، بل ويشكك في قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية، وهو بالتالي يقلل من شأنها حتى في نظر أبنائها.
سيادة الوزيرة، هنيئا لكم بالمحاور التي سطرتموها للتداول، وهنا أود أن أشير إلى أن التقييم الذي يمكن أن أعطيه للسياسات والاستراتيجيات في مجال المرأة، كون السياسة المتّبعة يكتنفها الكثير من التردد، إن لم أقل من التخلف، ما لم نستطع تحقيق إنسانية المرأة بشكل كافٍ يضمن لها المساواة التامة مع الرجل في الحقوق والواجبات في إطار مقاربة نوعية تكاملية بين الجنسين، فترسانتنا التوثيقية والقانونية جذابة ومثيرة، إلا أن واقع الحال غير ذلك، مما يجعل وزارتكم مدعوة إلى العمل على تجاوز سيطرة العقلية النكوصية المتشوقة إلى الماضي التليد والمتخوفة من الجديد سواء أكان رأياً أو ثقافة أو مشروعاً حضارياً. فيما يتعلق بالإستراتيجيات، أظن أنكم مدعوون إلى كسر وتحطيم العديد من الحواجز، تتقدمها الحواجز النفسية لوضع خطة حقيقية وواقعية تستجيب لحق المرأة في التحرر في إطار المسؤولية القانونية والأخلاقية.
في الأخير، بودي أن أثير انتباهكم سيادة الوزيرة أنه ومن خلال عديد المكالمات التي تلقيتها من مصالح وزارتكم، اعتذرتم عن عدم توفيركم لنا بوصفنا مدعوّين خدمة الإيواء ولا نفقات التنقل تحت ذريعة "ضعف الميزانية"، وهنا لا أخفيكم سرا أنه بقدر استعدادي للنفقة من جيبي الخاص، بقدر شفقتي عليكم وأنتم تدعون أناسا من السودان ومصر ولبنان والجزائر واليمن والإمارات مع "ضعف ميزانية" وزارتكم.
ختاما سيدتي الوزيرة، أتمنى لضيوفكم مقاما سعيدا ولكم النجاح في منتداكم وفي مهمتكم، ودمتم للصالح العام.