اكريران محمد - خنيفرة

تسوق حاليا بعض قنوات التواصل  لفيديو يظهر فيه الوزير الأول للحكومة البريطانية، السيد بوريس جونسون،  وهو يتبضع بطريقة شعبية متواضعة في متجر مسير من طرف بعض العرب وهذا ما تشير إليه لافتة  المتجر، إذ كتب عليها بالعربية عيد الميلاد، كما سمع تواصل باللغة العربية كذلك، وهو مكتض بالزبناء معظمهم مسلمون، من خلال حجاب بعض النساء اللواتي التقطن الصور.
 
وبغض النظر عن تاريخ تسجيل هذا الفيديو بنية ما،  لابد من الإدلاء بالملاحظات والفرضيات والتساؤلات التالية:
 
أولا:   الجميل في الفيديو طريقة التبضع من طرف الوزير الأول لأعرق البلدان الدموقراطية(من دون الحديث عما خلفته في مستعمراتها)، بحيث اختار مكانا شعبيا، وبدل مجيئه بالبروتوكول الخاص بالسياسيين إيمانا منه بمبدأ تحمل المسؤلية والمحاسبة، فقد حضر بمفرده مستخفيا بلباس شعبي لكي لا يثير الانتباه،  ومفضلا امتطاء دراجة هوائية كتواضع،  وثقة تامة في ذاته واحتراما لمصداقية الديموقراطية في بلده تنظيرا وتطبيقا.
 
ثانيا:  ضروري الانطلاق من فرضيات وتساؤلات حول: - اختيار السيد جونسون بوريس التبضع في مكان مزدحم بالزبناء، فلابد من نية ما في هذا الاختيار وبهذه الكيفية.
 
فهو حاليا يعيش تحت العناية المركزة بسبب تدهور حالته الصحية بسبب عدوى كورونا.
 
- ما هو تاريخ التقاط/تصوير هذا الفيديو؟ ألم يكن هذا التصوير فيه قصدية ما أقلها كسب شعبية الطابور الانتخابي؟ ما مدى براءته في اختيار هذا الفضاء العربي/الاسلامي لتصوير هذا الفيديو؟
 
ثالثا:  إذا انطلقنا من المعطيات التالية:
 
1- من تاريخ بداية انتشار وباءcovid-19 الذي كان حوالي 31ديسنبر/كانون الأول2019 كتاريخ لظهور عدد من حالات الالتهاب الرئوي الوخيم غير معروف المصدر في الصين...إلى يوم 24 يناير/كانون الثاني الذي تم فيه الإعلان عن أول حالة في أروبا، كما أن أحد الأطباء الفرنسيين قد أدلى عبر فيديو بتصريح باسم القسم الطبي متهما فيه الرئيس ماكرون بكونه مجرم حرب، لكونه كان على علم بالكارثة منذ شهرين قبل الاعلان الرسمي عنها.
 
3 - كونه سابقا قد صرح بكون الجائحة الوبائية covid19 ستكون كارثية،  وبالتالي على الجميع الاستعداد لفراق الأحباب، فهو كذلك كان على علم بوثيرة الوباء.
 
4- من المحتمل أن يكون تاريخ تسجيل هذا الفيديو  ما قبل أو ما بعد يناير 2020 بقليل نظرا لتركيز التصوير على عنوان مركز التبضع الحامل لكلمة عيد الميلاد، ولكن ما دامت مواد التبضع غير محتوية لمستلزمات الاحتفال بمعنى كون التصوير تم ما بعد مناسبة الاحتفال بأعياد الميلاد.
 
5 - تهافت بعض خدام هذا المتجر وزبنائه المسلمين العرب،  مهرولين نحو السيد جونسون  بغية التقاط صور تذكارية بعدما تبينوه وانبهروا به.
 
وما بين التبضع والتصوير حصل الاحتكاك والاختلاط من دون علم بما سيترتب عن ذلك من خطورة انتقال العدوى التي ظهرت أعراضها بعد ذلك بحدة في أوربا، وهذا إن كان حاملا العدوى من دون علم به.
 
انطلاقا من الحيثيات أعلاه، أليس من حق الجميع التساؤل عن مدى براءة السيد جونسون بوريس في اختياره لهذا المتجر بغية التبضع،  وذلك في ظل كون covid-19 قابل للانتشار بالعدوى حسب ما تؤكده بإلحاح التحليلات الطبية والعلمية مع افتراض كون بعض المسؤولين السياسيين في أروبا كانوا على علم بهذا الوباء،  ومدى خطورته وانتشاره بسرعة في العالم دون التصريح به والاستعداد له...
 
ستظهر الحقيقة مستقبلا، إنها مسالة متعلقة بالضمير والزمن...
 
ثالثا:  الانسياق الأعمى وراء الرغبات والتهور ثم الاستهتار كأسباب لاستفحال انتشار الجائحة الوبائية الحالية في العالم:
 
فحسب كل من ديكارت وشوبنهاور بشكل فيه تضاد بينهما، تبدو هوية الانسان متأرجحة بين نوعين من العقل(الانسان حيوان عاقل بامتياز)وهما:
 
1: أحدهما عقل إيجابي يقوم بالتمييز بين الصواب والخطأ، بين الخير والشر، بين الجمال والقبح...ويقوم بالاختيارات ، فهو ملكة فطرية في الانسان، إنه أعدل قسمة الهية موهوبة في الانسان، لكن سوء استخدام هذه الملكة هو الذي يخلق بين الناس درجات التمييز ما بين التدني والتفوق...،ويمتلك هذا العقل أدوات لتحصيل المعرفة والوعي... والتي منها الإدراك والتفكير والفهم وقدرة تمثل المستقبل(أداة الاستباق)بعد تجاوز الحاضر.(وجهة نظر ديكارت)
 
لكن هذه الخاصيات لم يتحل بها كل من هرول لالتقاط الصور التذكارية مع السيد الوزير الأول.
 
2: وأحدهما عقل سلبي يتمثل في الارادة المتجلية في الرغبات والنزوات الغرائزية التي تشتغل بشكل عبثي، ولا تترك للعقل الايجابي فرصة الخضوع لاية قوانين سواها.
 
فعندما يستيقض العقل السلبي(الغرائز والأهواء/جمع الهوى كعقل غرائزي سلبي)في الانسان، فإنه يستدعي العقل الايجابي ويستعبده ويسخره لتحقيق هذه النزوات من دون الانتباه الى قوته الايجابية أو يعي بخطورتها أو ينتقدها أو إيقافها عند حدودها،وكأنه تم تخديره واستسلامه(موقف شوبنهاور).
 
يقدم العقل الايجابي للعقل السلبي خدمات وخيمة وسلبية تحت تأثير التخديره لكي لا يعي بخطورتها أو ينتقدها ويعمل على إيقاف تصريفها كيفما أرادته الارادة العبثية المتمثلة في النزوات التي بمجرد تحقيق أهدافها، تتخلص من العقل الايجابي الذي يندم على ما قدمه من خدمات للإرادة العبثية نظرا لسقوطه في التهور والاستهتار بوظيفته الايجابية كملكة بديهية وفطرية قائمة على الادراك والوعي بالعواقب....
 
وهذا ما ينطبق على من هرول وتهافت بعد الانبهار بشخص تصرف بشكل عادي بغيةالتقاط صور تذكارية معه، انهم حققوا نزوة دون الفطنة لما يمكن أن يترتب عن ذلك من عواقب سلبية ودون الانتباه الى إمكانية إصابته بفيروس كورونا/covid-19 المعدي والقاتل،ان كان فعلا مصابا بها...
 
هكذا تنتشر العدوى الوبائية بدافع التهور والاستهتار والانسياق وراء النزوات الغرائزية.
 
فحذاري ايها المواطنون من السقوط فى فخ العقل السلبي/الإرادة العبثية وستعبث بكم كيفما شاءت دون الوعي باهدافها .
 
وما علينا إلا استحضار العقل الايجابي الذكي الفاطن والناقد...في تصرفاتتا، والعمل بما يقال:"لا تضع قدمك إلا بعد معرفة المكان المناسب لخطوتك" وما علينا إلا التزم الحجر الصحي وتجنب التهافت حين نرى  المشاهير وننبهر بهم ثم نهرول لمعانقتهم بغية التقاط صور تذكارية قد تسبب في تفشي العدوى الفتاكة بأرواحنا دون رحمة أو شفقة.