بقلم: لحسن أمقران
منذ عودة ملف الشهيد محمد بنعيسى أيت الجيد إلى ردهات المحكمة، شهدت المواقع الاجتماعية في الأيام الأخيرة معركة افتراضية حامية الوطيس بين الإسلاميين في شخص بعض صقور حزب العدالة والتنمية وأنصارهم من جهة، وبين بعض الوجوه الحقوقية التي تنتمي مرجعيا إلى التيار اليساري، وهي المعركة التي استوقفتنا لنأسف لما وصل إليه السياسي والحقوقي اللذان يفترض أن يكونا مثالا للمثقف المغربي.
كان مثول المتهم عبد العالي حامي الدين أمام محكمة فاس فرصة لبعض اليساريين والحقوقيين لتصفية حسابات مفهومة وأخرى يشوبها الغموض مع المصباحيين فقاموا بإنزال مهّم "لمناضليهم" مناصرة لرفيقهم المغدور، ولم يدخر "العداليون" بدورهم جهدا في الظهور بصورة "الجماعة" القوية المتماسكة، التي لن "تستسلم" للمناورات السياسية التي تحاك ضدها، والتي أبدت استعدادها لكل شيء سوى "تسليم" أخيهم.
تجاذب انتقل من أمام محكمة فاس إلى المنابر الإعلامية، وحاول من خلاله "الإخوان" تفسير موقفهم بغير قليل من الإلحاح الماكر وحتى الابتزاز السياسي، والتقليل من أهمية ما يذهب إليه خصومهم وخصوصا المحاميان محمد الهيني ولحبيب حجي، تجاذب اشتد مع ظهور صور –غير مألوفة- قيل أنها تعود لإحدى القنديلات في باريس، و"القصف" المتبادل الذي اتخذ أشكالا وأبعادا أخرى.
ما نأسف له، هو أن صقور وأنصار العدالة والتنمية لايزالون يتشبثون ببيع وهم "الطهرانية" و"الملائكية" ويصورون أنفسهم رسل الأخلاق والفضيلة، والحقيقة أن الواقع ليس كذلك، فالإنسان مهما كانت تقواه ليس منزّها وتبقى الغواية واردة مهما تقوّى إيمانه و"للإخوان" في هذا الإطار تجارب مريرة. بالمقابل، نأسف لما انتهى إليه الصوت اليساري العلماني الذي يؤمن عبر التاريخ بالحريات الفردية والاختيارات الشخصية، حيث سقط "الرفاق" في نقاش تسطيحي عقيم يهم اختيارات مفترضة لفرد في الظهور بهذا الزي أو ذاك، والنبش في حياته الخاصة وتتبع حركاته وسكناته للإيقاع به سياسيا. لقد كان من الأجدى استغلال الحدث من أجل التأكيد على ضرورة احترام الحريات الفردية والاختيارات الشخصية لأفراد المجتمع المتعدّد، ترسيخا لثقافة الاختلاف ووفاء لقيم التسامح والتعايش.
لا يسعنا بعد أن نؤكد أننا لسنا مع هذا أو ضد ذاك، أن مآلات التدافع السياسي والأيديولوجي في مجتمعنا أصبحت لا تبعث على الاطمئنان، ففكر "القبيلة" السياسية والأيديولوجية أضحى أكبر من المبادئ والقيم، لقد أصبحنا أمام صراع مقيت لن نجني منه غير العبث والويلات. لقد آن الأوان أن ندرك أننا نزيغ عن السكة، ليعلم الاسلاميون أنهم لن يكونوا ملائكة على الأرض مهما حاولوا الظهور بتلكم الصورة، وأن غيرتهم على الدين والوطن لا تعلو على غيرة غيرهم، وليعلم خصوم الإسلاميين أن هؤلاء من حقهم أن يدافعوا عن أفكارهم وطروحاتهم، فهم يهتمون لدنياهم ويطمحون إلى السلطة والارتقاء الاجتماعي مهما أبدوا الورع والتقوى في خطاباتهم لأنهم باختصار لا يختلفون عن غيرهم في شيء، ولنعلم جميعنا أن الوجود من حقنا بدون استثناء، وأن التعايش خيارنا الوحيد والأوحد، وما "صراعنا" إلا صراع دنيوي مهما بدا لنا عكس ذلك.