قد نتفهّم الأمازيغوفوبيا التي تجابه بها القضية الأمازيغية من جانب خصومها الأيديولوجيين عندما نعلم أن مشروعها المجتمعي يهدد أركان أطروحاتهم ويتجاوزها بكثير، وقد نتفهّم المطاطية وغياب الحسم الذي تنتهجه الأحزاب والجمعيات والنقابات عندما ندرك أن جبر الخواطر والحرص على المصالح أولى من كل المواقف، وقد نتفهّم أيضا الغياب المتعمّد للدولة عندما يتعلق الأمر بالأمازيغية عندما نسلّم أن قانون التوازنات المجتمعية هو المحرك الأساس للقرارات الكبرى للدولة؛ لكن ما لا يمكن أن نفهمه أو نتفهّمه هو تسويق هذا الوضع المرضي أمميا وعجز بعض المسؤولين عن فهم السياقات ووفاؤهم للسذاجة وهم يشرفون على مشاريع كبرى تكلّف الدولة ميزانيات ضخمة جدّا.
سياق هذا الكلام هو تجاهل اللجنة الوطنية لاستضافة المغرب لـ"مونديال" 2026 للغة الأمازيغية في برامجها وملصقاتها الدعائية وندواتها بشكل كلّي، وهي فرصة للتذكير بحجم الاستياء الذي خلفه "اللوغو" المعلوم والذي لا يرقى إلى مستوى التظاهرة العالمية التي ترغب بلادنا في الظفر بتنظيمها حسب الكثير من المتتبعين.
لقد فوّتت اللجنة المعنية على بلادنا فرصة ذهبية للتعريف بخصوصيته وامتداده التاريخي العريق والحضاري المتجذر وهي تتجاهل اللغة الأمازيغية وحرفها تيفيناغ، وكان لزاما عليها أن تدرك أنها تخاطب منظومات فكر أخرى تنتصر للتعدد والتنوع، منظومات فكر تحترم الاختلاف وتسعى إلى إرسائه وتطمح إلى العدالة في شموليتها بعيد عن كل صراع سياسي أو أيديولوجي ضيقين.
نكاد نجزم أن توفير بنية تحتية كفيلة بالظفر بشرف تنظيم "المونديال" أهون من بناء عقليات تكون في مستوى حسن استقبال ضيوف المغرب المفترضين، وهو ما يعجز أعضاء اللجنة المعلومة عن استيعابه؛ فتنظيم تظاهرة رياضية بحجم "المونديال" يستلزم من القيمين على اللجنة الوطنية لاستضافة "مونديال" 2026 إدراك أن زمن التأحيد القسري اختيار متجاوز، كما يستلزم منهم فهم كون المغرب مثالا للتعدد والغنى، وأرضا للتسامح والتعايش، وبالتالي كان عليهم تسويق هذه الصورة الفسيفسائية لنيل ثقة "الفيفا" بدل التقوقع وتسويق صورة الإقصاء والتنكر للذات.
لن نبالغ إن قلنا أن "الكاليغرافيا" الأمازيغية كانت لتضيف لمسة فنية راقية على "اللوغو" سابقا، ولن نبالغ إن قلنا إن الاعتراف بالكينونة المغربية الحقيقية في كل أبعادها يعد مصدر احترام الأمم للمغرب ومحفزا لها على التصويت لصالحه، ولن نبالغ أيضا لو قلنا إن قضية ترشح المغرب لـ"المونديال" اُئتمن عليها محامون غير ناجحين.
لا يسعنا - بصفتنا ضمن فعاليات الحركة الأمازيغية- إلا أن ندعم ترشح بلادنا لاستضافة هذه التظاهرة الرياضية الأممية، ونعبر عن استعدادنا للانخراط في إنجاحه؛ ولكن بالمقابل، وبصفتنا جزءا من حركة مدنية احتجاجية تبادر بالمرافعة بشكل نسقي، نستنكر هذه الخطوة الاستئصالية وندين هذا السلوك الأرعن.
ختاما، ندعو اللجنة الوطنية لاستضافة المغرب لمونديال 2026 إلى تدارك الموقف وتصحيح الخطأ، وإلا قد نفهم أن هناك من يريد اختزال المغرب في بعد واحد ضدا على الواقع المغربي، وبالتالي اعتبار ذلك ممارسة إقصائية عنصرية تسيء إلى وطننا وتفوت علينا فرصة تقديم المغرب بشكل يمكّنه من شرف تنظيم هذه التظاهرة الرياضية العالمية.