مع كل معركة إيديولوجية أو فكرية، لا يملك المرء إلا أن يندهش أمام تصرفات البعض من "برابرة"* الإسلام السياسي ممن يركبون على انتمائهم "الإثني" أو "اللغوي" إلى الأمازيغية.
أبطال بلا مجد، إنه الوصف الذي ينطبق على الكثير منهم، فما أن تبدأ بمقارعته فكريا أو تناقشه بالمعطيات التاريخية الدامغة حتى يواجهك بـ "دمائه" الأمازيغية وفصاحة "لسانه" الأمازيغي، وبالتالي يبدأ في ترديد أسطوانة الفتنة والتخوين والعمالة والصهيونية، ويؤكد خدمة "النعرة" الأمازيغية لأجندات خارجية مؤدّى عنها، وغيرها من المواويل التي تمل منها الأذن، ويدحضها المنطق السليم والفكر السوي.
إن التشكيك في أصالة القضية الأمازيغية ومشروعيتها وربطها بما سلف ذكره تحت ذريعة "الانتماء" الأمازيغي يعد قمة العبث الفكري والخبط المرجعي الذي يسعى من ورائه بعض المتملقين من "المتأمزغين" إلى الارتقاء الاجتماعي ونيل رضا وعطف سفراء التيارات البعثية والناصرية ومن والاهما من الوهابيين والتكفيريين بشمال أفريقيا.
فليعلم هؤلاء أنهم يخوضون معركة خاسرة - بالنيابة - منذ البداية، ذلك أن المروءة في أن نختلف ونقبل اختلافنا ونتعايش معه، لا أن نهيج ونجيش ونذكّيَ روح التطرف والطائفية المقيتة، بل ونتعمد فتح جبهات لا يمكن التنبؤ بآفاقها بحجة نصرة "الرموز" حينا والغيرة المزعومة على الوطن والحرمة المغلوطة للدين أحيانا كثيرة.
إن القضية الأمازيغية قوية بأصالتها قبل مشروعيتها، قوية بمشروعيتها قبل مشروعها، قوية بمبادئها ومرجعيتها، قوية برجالاتها وقيمها الكونية، قوية باستنادها إلى العلوم الحقة والإنسانية التي تؤمن بالعقل والمنطق والنسبية والاختلاف. ليست العبرة بالتهجم والتجني والتنكيت على الأحرار، ليست بالركوب على المقدس المشترك لمآرب سياسوية ضيقة ومحدودة، وليست بنصرة الظلم والآثام. إن المصداقية تتأسس بحداثة وواقعية الخطاب وصداه الإيجابي على الوطن، ومدى استجابته لآمال المواطنين أيا كانت انتماءاتهم العرقية والعقدية واللسانية والبشرية.
إن التعلق بمرجعيات واهية - تعاني في عقر دارها بعد أن انفض الناس من حولها باعتبارها تركب على قضايا الشعوب والانتهازيين من المتاجرين بآلام ومعاناة الإخوة - لم يعد يقبل به عقل ولا منطق. إن اللعب على وتر المقدس المشترك و"خدمة" الرسالة الإلهية في شعارات قلما تجد إلى السلوكات سبيلا أصبح أمرا مفضوحا ومكشوفا لا يحتاج إلى كثير من الذكاء. نعم، نحترم كل المواقف وكل الآراء وهو الأصل، إلا أننا لا ولن نسمح بمن كان بيته من زجاج أن يرمينا بالحجارة، فالوطنية الحقة أن يقتنع كل منا أن البيت المغربي أحق من غيره بالبناء، والشعب المغربي أولى من غيره بالتضامن والتآزر والتآخي، واحترام من يشتركون معنا في الوطن أوجب وأجدر.
ألم يان للذين يرتوون من المشرق، بقومييهم ووهابييهم، أن يعودوا إلى جادة الصواب ويكفوا عن عشق السراب؟؟؟ أليس في وطننا فقراء ومهمشون ومنسيون؟؟؟ فلماذا لا تغدقونهم بمساعداتكم كما تفعلون مع غيرهم؟؟؟ أليست لنا أرض مغصوبة سليبة؟؟؟ فلماذا لا تتجنّدون لتحريرها كما تفعلون مع غيرها؟؟؟ أليست بين المغاربة لحمة؟؟؟ فلماذا لا تسعون في توطيدها كما تفعلون مع خلاّنكم؟؟؟.
مجمل القول، إنه لا محيد لكم عن المغرب والمغاربة، أوقفوا مشاريع الفتنة التي تؤسسون لها، أوقفوا دعواتكم المغرضة التي تطلقونها، فالمغرب وطن التنوع والتسامح، وطن التآخي والتعايش، وطن كل من يعيش على هذه الأرض المعطاء المضياف. الوطن لا يتنكر لأبنائه، ولكنهم لغيره يعشقون... فلتصبح على شعب يحبك أولا يا وطني... يا وطن الأحرار.
(*) : وظفنا مصطلح "برابرة" لكون جل أمازيغ الاسلام السياسي يوثرون هذه اللفظة على لفظة "الأمازيغ".