بقلم لحسن أمقران
تتميز الأشكال التعبيرية لسكان واحات الجنوب الشرقي بالتنوع والغنى، وهو النتيجة الطبيعية للهجرات البشرية التي كانت المنطقة مسرحا لها عبر التاريخ، أشكال تفاعلت فيما بينها لتعكس وبجلاء نمط عيش الساكنة وتصور بغير قليل من الدقة نظرتهم إلى الحياة، كل ذلك بفضل التواتر الشفوي –الذي يظل محتشما على العموم- أمام شح المراجع التي تؤرخ لذلك في غياب ثقافة التدوين.
من بين أهم الأشكال التعبيرية التي يمكن القول أنها تعرضت للكثير من الضياع مقارنة مع غيرها، نجد تراث "باهبي" الذي يعتبر وجها من أوجه "أحيدوس" قبائل الجنوب الشرقي خاصة في واحات افركلى وتدغى واغريس (جهة درعة تافيلالت)، تراث غني من حيث النبرات الشعرية الأخاذة والصور الجمالية الهائلة التي يزخر بها من جهة، والتي توحي بالذوق الفني الراقي لإنسان هذه الربوع، ثم من حيث التيمات والمواضيع التي تناولها شاعر الواحة من جهة ثانية التي تعبر عن وعي كامل الأوصاف بكل تحديات الحياة وإكراهاتها.
لقد كان "باهبي" شكلا تعبيريا شبه مغيب في التظاهرات الفنية والمناسبات العائلية في المنطقة لعدة أسباب، وآن الأوان اليوم أن ينبعث من جديد، وما ذلك على الشباب الطموح بعزيز، لقد أضحى الحفاظ على الخصوصية اليوم، رهانا حقيقيا يتعين على المجموعات البشرية ربحه، خصوصا مع زحف العولمة وفرضها لأشكال تسعى إلى تنميط الأوجه الثقافية. وأمام جسامة المسؤولية أمام المبادرات الفردية، يظل الفعل الجمعوي الملاذ الوحيد لإعادة الروح إلى هذا التراث اللامادي الغني، قصد التعريف به وتثمينه بشكل يجعل منه رأسمالا حقيقيا يمكن تسويقه.
العودة إلى الأصل أصل، لن تفوتنا الفرصة لننبه إلى ضرورة تجميع أشعار "باهبي" بشكل أكثر احترافية وعلمية خاصة أن هناك مبادرات سابقة يجب الوقوف عندها والاستفادة منها، كما يجب التسريع بتدوين أشعار شعراء لا يزالون بيننا قبل أن يخطفهم المنون وتقبر معهم خزانات شفوية بأكملها، نعود ونقول أن مثل هذه المبادرات ولكي تكون بالشكل والوقع المطلوب، تبقى من اختصاص إطارات جمعوية بتوجيه من الأساتذة الباحثين من ذوي الاختصاص وبقيادة من الطلبة.
في الأخير، نختم بالقول إن تراث "باهبي" تراث وخصوصية محلية لواحات الجنوب الشرقي بامتياز، والحال هذه ندعو إلى التفكير في تنظيم تقليد سنوي يكون فرصة لبعث الروح في هذا الشكل التعبيري الأصيل، والعمل على تطويره وجعله موضوعا للدراسة والنقاش العلمي والأكاديمي، ثم تشجيع الشباب على الاقبال عليه من خلال بحوثهم الجامعية ولما لا محاولة النظم والابداع، وما المبادرة الأخيرة لجمعية "أيت لبزم للتنمية والتضامن" بأسرير- مشكورة - ، إلا اجتهاد يجب علينا استثماره وتطويره بشكل يرتقي بها إلى الجهوية والوطنية إسوة بمهرجانات ذائعة الصيت وبدأت بفكرة بسيطة.
* وصلات رائعة من التراث المحلي لمنطقة فركلة جنوب شرق المغرب :
* الشاعر عبد العزيز أبومح وتراث باهبي :