صحيح أنني إبن “المغرب المنسي” لكنّي لم أسمع يوماً أنينه، رغم اني عانقتُ ترابه لسنوات عدة، إنَّما شهدتُ بعضاً من أسبابه فقط لكن، لماّ إشتدَّ عليه الحال كثيراً وحزن لفراق أبنائه قسرياً، والطعناة المتتالية التي يتلقّاها منذ زمن بعيد من أخرين، كل هذه العوامل جعلت صبر “المغرب المنسي” ينفذ ليعبر لنا أخيراً عن براثين اليأس و”الحكرة” التي يكتمها.
أنا رقعة جغرافية تحدُّها المعاناة من كل الجوانب، قبل سنوات مضت أنجبتُ الكثير من الرجال، حاملوا السلاح وخاضوا معارك شارسة ضد أعداء كُثر لأجل الدفاع ليس عنّي فقط، بل عن هذا الوطن الكبير الذي أنتمي إليه وأشكل جزاءاً من مجاله، وإن كان هو يرفض إحتضاني كلياً، حيث يكتفي بالإستمتاع بجمالي وإستغلالي أي نهب ثرواتي، وبإمكانكم أن تصفوا علاقتنا بعلاقة مصالح خاصة بالنسبة له.
أنا من فقدت الكثير من أبنائي منهم من قُتل ومنهم من إعتُقل، أماَُ الباقي فبعضهم أرهق التهميش والإقصاء عقله، ونخر جسده، وحدَّ طومحه، وسجن أفكاره، وبَات الآن يطالب بأبسط حقوق العيش الكريم فقط، بينما يستمتع غيره بالولائم..والبعض الأخر لم يتبقَّى عنده من الحياة إلا رمق أو أمل مدخر..وأنا من أنا؟ “والكلام هنا يلخص شعور “المغرب المنسي” مع سياسة الإقصاء والتهميش.”
وكما تعلمون ففي السنة أربعة فصول، ولي كل فصل حكاية مختلفة عن الأخرى تجري وقائعها فوق ترابي..أمّا أحزنها فهي التي تجذب إهتمام الصحافة الحرّة والمستقلة، يرويها صحافيون مهنيّين ومتميّزين تركوا أنشطة الأحزاب السياسيّة التي تقام على مدار السنة دون أية فائدة، وفي الفنادق المصنفة..وتحمّلوا عبء السفر لزيارة شعب ينحصر عندهم الوطن في لتر من الزيت و علبة شاي، متمنيِّين أن تساهم صورهم ومقالتهم في تحسين وضعيتي ولو بنسبية.
في بعض الأحيان أحسّ أن عدداً كبيرا من شبابي قد هاجرني فأبكِي لاشتياقهم تارة ولاختيار بعضهم الهجرة إلى ماوراء البحار تارة أخرى..وهنا يزدادُ حزني كثيراً لأني أعلم أن تجاوز البحر ليس سوى محاولة بقاء. أستمرّ في البكاء والدموع تسيلُ من عيني لاَ أتوقف إلاّ لكي أسأل، لماذا هاجرني هؤلاء؟ هل يكرهونني وأنا من إحتضنتهم لسنوات طوال؟ يجيبونني بكلمة واحدة فقط “الظروف”!!
جوابٌ إستعصى عليّ فهمه لذا إستعنت بالكوادر والأساتذة، اللّذين أنجبتهُم لكي يساعدونني على فهم الجواب وإستيعابه. أماَّ مضمونه فهو أن مجموعة من الأشخاص قد يكونوا تربَّوا في حضني ذات يوم وغادروه قبل سنوات بعد أن نكروا خيري عليهم، وقد يحدث العكس، المهم أن هؤلاء لايريدون أن أخطوَ خطوة واحدة لملامسة التنمية، بمشاريع ومصانع يبنونها في مجالي..ويشتغل بها أبنائي..وأنا من أنا؟ و”الكلام هنا يلخص شعور المغرب المنسي مع العزلة والفقر”.