فجر مبارك - الرشيدية / متابعة
تعيش مدينة الرشيدية التي أصبحت عاصمة جهة درعة تافيلالت سنة 2015 ضمن التقسيم الجهوي الجديد، قبل أن تكون عاصمة اقليم تافيلالت مند سنة 1956 بتسميتها الأولى "قصر السوق" ، تعيش أسوأ حال لها اليوم، حال و صورة يرثى لها نظرا لقدمها الإداري الذي لم ينصفها، حال لا يرضاه لها سكانها وخاصة شبابها الذين يرددون على الدوام حكايات و "ارتسامات" تحط من وضعيتها المتردية تنمويا.
فما سر هذا الوضعية المتردية التي تعرفها الرشيدية مند نشأتها، والموصوفة بالإقصاء و التهميش المسلط عليها بقصد أو غير فصد؟؟؟
اسمحوا لي وأنا واحد ممن عاش وضعية "قصر السوق " أولا ، ثم الرشيدية ثانيا، مساهمة مني وتضامنا مع كل الذين يحملون هم هذه المدينة وحتى مع الذين يتحصرون على شتات الجهة التي أريد لها أن تنشأ ، لكن دون مواصفات باقي الجهات رغم الأموال التي تضخ في خزينتها والغير مواكبة لخلق التنمية الحقيقية لمدن و قرى الجهة المترامية.
واقع الحال
مدينة الرشيدية أو "قصر السوق" الاسم الأول لها، كانت في عهد الحماية تتوفر على جميع مكونات المدينة العصرية : بها بنايات ذات هندسة متجانسة بأزقة واسعة متلائمة بعضها البعض، أشجار باسقة تمنح الظل وقت الحر، تتوفر على مدارس متنوعة منها المدرسة الأوربية، بها فندقين محليين، ملاعب لكرة القدم تنشط كل يوم ألأحد ، ملاعب للكرة الطائرة و السلة و اليد و حتى ملاعب التنس الرياضة التي استأثرت عدد من اللعبين الى حدود ثمانينيات القرن الماضي ، دار للسينما ، دار الشباب التي كانت توفر لشباب المدينة كل الأنشطة الثقافية و الرياضة وحتى عروض سنيمائية كل خميس ، ملعب للكرة الحديدية بمواصفات عالية، سوق كبير يلتئم فيه فلاحو جماعتي مدغرة والخنك يعرضون فيه منتوجاتهم الفلاحية مسبح كبير و بمواصفات هائلة قل نظيره اليوم ، مستشفيات كبيرة بما فيها مستشفى أمراض العيون و السل.. انها "قصر السوق" في مطلع الاستقلال , فكيف هي اليوم ؟
اليوم و أنا أحكي و اقع المدينة المكلومة وقد أصبحت تحمل اسم الرشيدية، وليس في نيتي أن أحيطكم بلغة العاطفة أو بأسلوب من يريد استدرار العطف و استجداء الاهتمام بل بلغة العقل و المنطق التي تعتمد الحجة والبرهان بناء على التاريخ وعلى الواقع المعاش .. كنا نحن سكان المدينة و خاصة المهتمين بشأنها و المملكة تبنت الاختيار الديموقراطي و اختارت بناء المؤسسات بطرق ديموقراطية عبر صناديق الاقتراع مند سنة 1976 ، كنا نتطلع الى رؤية مدينة تعج ببرامج تنموية هادفة تزيد في تطورها و تقدمها وقد أصبحت بلدية ، بمعنى لها مجلس بلدي منتخب ، من المفروض أن يسهر على انجاز هذه البرامج التي تطور بنياتها التحتية الى الأفضل..
لكن ، انتظارتنا و تطلعاتنا لم ترق الى متمنياتنا ، اذ كل ما أنجز عبر المجالس المتعاقبة لم يكن في المستوى المنشود ، لا بنية تحتية في المستوى المرجو ، و لا تهيئة منشودة .. وها نحن نعيش اليوم نموذج من نماذج تلك الهيئات التي مرت بها المدينة ولكم التعليق .. أحياء نشأت كالفطر (تاركة الجديدة ، حي أزمور الجديد ، حي أولاد الحاج ، لابيطا أقدم حي ما زال كما أنشأ ، لحدب، توشكا...) كلها أحياء لم تكن في صلب اهتمامات المنتخبين و لا المسؤولين ، لتبقى و تظل عاصمة الجهة ، تشكو الاهمال و التهميش و الحيف و الظلم.
بمعنى أخر ، فان مدينة الرشيدية اليوم تعيش أسوء حياتها على مر السنين ، لأنها اليوم تبكي العيون و تدمي القلوب ، لما وصلت اليه من اهمال و تقصير وعدم التعامل مع المسؤولية بالجدية المطلوبة لجذب الأمور بجدية و تفان . في حين نرى اليوم ونحن نقوم بجولة في أهم شوارعها و أزقتها ، يتبادر الى الأذهان أنها تئن من وطأة انعدام المسؤولية ، حيث الخراب يطال شوارعها و أزقتها ، ونلاحظ بأنها تشهد ما سمي ب "أعادة التهيئة" لأهم شارع بها ، وهو الشارع الذي عرف أكثر من تهيئة حتى أن جل رؤساء البلدية "أمعنوا" في "تهيئته" ، حتى أن لا أحد منها راقت الأخر ، ليصبح مجال التهيئة واعادة التهيئة و تجديد التهيئة هو الملاذ الأبرز لجميع هؤلاء الذي تعاقبوا على تدبير شؤونها.
اليوم المدينة وسكانها يغوصون في الأشغال و اعادة الأشغال ، حتى أن الشارع الرئيسي الذي يعرف انسيابية مرتفعة وخاصة في أوقات الذروة ، لم يفكر المسؤولون في فتح ممر تحت أرضي في المقطع الطرقي الممتد من ثانوية سجلماسة الى السوق المغطاة (المارشي) ، وهو المقطع الخطير بالنسبة للسيارات و تلاميذ المؤسسة لتسهيل الانسيابية وتجنب التلاميذ والمارة عموما من الحوادث.
أضحى اليوم ، مليء بالحفر و الشظايا و الأحجار ما جعل السيارات تهتز و تتكسر أجهزتها و نوابضها واطاراتها يوميا على وقع هذه الحفر عند المرور بها ، حتى أن الساكنة تقول ..متى تنتهي هذه الحرب؟؟؟ تهيئة شارع مولي اعلي الشريف الرئيسي بالمدينة ، بغلاف مالي يتجاوز 13 مليار سنتيم ، رغم أن ذات الشارع كان لا يحتاج الى تهيئ مادام المجلس السابق كان قد نفدها وما زالت صالحة ، ليقول قائل : انها مضيعة للمال فقط.
تنمية مفقودة
المدينة الجريحة تشكو من نقص في تهيئة شوارع أخرى و أزقة و أحياء أخرى و ما أكثرها ، لنقول و نصرخ نحن سكان هذا الصرح المكلوم ، لا لتبذبر المال العام في ما هو غير قابل للتهيئة ، واذا صرف يجب أن يكون في جهات محددة و مطلوب تهيئتها ، وفي ما يعود بالرخاء.. والاطمئنان للساكنة على الساكنة، بل يجب التفكير في فتح ممر رئيسي للولوج الى المدينة ، بدل الممر الحالي الذي يمر بشارع مولاي اعلي الشريف ، و الذي يعاني منه المارة بسياراتهم و شاحناتهم وسط الأشغال التي تنتهي.
النظرة الواقعية للرشيدية و اقليمها ، هو الاحساس بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه مدينة تئن من الضيم والجحود.. أنها تستحق وضعا أحسن مما هي عليه اليوم ، ومستقبلا أفضل مما يراد لها في اطار التقسيم الجهوي الجديد.
كيف لنا و نحن أبناء الرشيدية الذين ألفنا الأسفار، أن نخرج منها و نزور مثيلاتها من المدن.. أو حتى بعض المدن التي يمكن وصفها بالحديثة دون ذكر اسمها طبعا، لنلاحظ مستوى التهميش التي تعاني منه مدينة الرشيدية ، وبقدر ما سيرى بأم عينه الاهتمام ( أو على الأقل بعض الاهتمام) بالمدن المشابه لمدينتنا ، بقدر ما سيعرف مدى التهميش الذي تعاني منه هذه المدينة ، مما سيعمق لدينا الشعور بالحسرة و الغبن واثارة العديد من التساؤلات؟
كيف لمدينة أن تظل في مجال التهميش و الانتظارية ، وهي من أول المدن المغربية التي احتضنت أول اقليم مباشرة بعد الاستقلال ، اقليم تافيلالت الذي كان يمتد من الحدود الشرقية الى تخوم اقليم خنيفرة ، ولم تحظ بالرعاية الكاملة المستحقة لدورها الاقليمي ، في وقت كانت الأموال و الميزانيات تتهاطل على الاقليم لاستثمارها في مشارع تنموية ... ؟؟؟
لتبقى الساكنة "دوما" تعيش زمن الانتظار بما يحمله ذلك من معاناة في انتظار أفق اقلاع اقتصادي واجتماعي ظل بعيد المنال الى يومنا هذا. كيف لمدينة تعيش القطيعة مع كل الطرق المؤدية الى التنمية والرقي و الازدهار والى ما كان يطمح اليها رجالاتها الذين ضحوا بالغالي و النفيس عند تصديهم للتوغل الاستعماري من الجهة الشرقية و شبابها الطامح الى غد أفضل والذي كان السباق الى المسيرة الخضراء ، مدينة تغرق وسط أوحال النقائص وركام العشوائية و التهميش و النسيان الذي طال قطاعات حيوية متعددة.
يتغير كل شيء و لا تتغير مدينة الرشيدية التي تبقى ضحية منتخبيها و مسؤوليها الاداريين، ضحية لسياسة الاهمال و اللامبالاة المفروضة عليها مند احداثها بلدية ، مما جعل المدينة تعاني مشاكل هيكلية متعددة رغم توفر المنطقة على مؤهلات طبيعية وسياحية ، بالإضافة الى موقعها المتمثل في العبور الى المناطق السياحية والأثرية التي تزخر به مدن أرفود ، الريصاني و قصباتها الى مرزوكة ذات الكثبان الرملية الذهبية.