جمال الدين بن العربي
 
يتحدى الرحل في جهة درعة تافيلالت تداعيات الحجر الصحي، ويحاولون التأقلم مع وضع غير طبيعي يتعارض مع نوعية الحياة التي اختاروها وبنوا عليها مستقبلهم.
 
ويعرف الرحل معنى الحجر الصحي ومقتضياته التي تلزمهم بالبقاء في البيوت، رغم أن نشاطهم العام والاعتيادي هو التنقل الذي يؤسس لهوية “الأشخاص الرحل” الذين لا تستقيم حياتهم دون التحرك من مكان إلى آخر في كل فترات السنة.
 
ورغم أن الحجر الصحي أدى إلى زيادة معاناة هذه الفئة التي تنشط في المجال الفلاحي الذي تزاوله باستمرار أبا عن جد، فإنها تعمل على تجاوز الأمر على أمل أن يتراءى لها أفق بعيد ينعش الدورة الاقتصادية المبنية على الرعي وحمل المتاع إلى أمكنة أخرى.
 
توقف الأنشطة شجع على المبادرات التضامنية
 
ويؤكد العديد من الرحل المنتمين لجهة درعة تافيلالت أن هذه الظرفية كانت سببا في توقف أنشطتهم في تربية الماشية، والعامل المهم هو منع التنقل وعدم التوجه إلى المراعي الصالحة للاستغلال والمتوفرة على الكلأ، خاصة أن هذه الفترة من السنة تعرف تنقلات عدة إلى أماكن مختلفة.
 
ودفع الوضع، الذي انعكس على مدخولهم الأسبوعي من بيع “الكسيبة” التي ظلت في مكانها دون رعيها في مراعي قريبة أو بعيدة، العديد من الفعاليات المدنية في جهة درعة تافيلالت إلى القيام بمبادرات من أجل التخفيف من وطأة هذه الظرفية عبر توزيع المساعدات الغذائية على الرحل.
 
ومن ضمن هذه المبادرات تلك التي قامت بها جمعية “أخيام”، بتعاون مع السلطات المحلية والإقليمية ومجموعة من الفعاليات المدنية، بتوزيع مواد غذائية لفائدة عشرات العائلات من رحل قبائل آيت مرغاد الذين يتواجدون في المناطق الحدودية بين إقليمي ميدلت وتنغير.
 
وأدت الظرفية الحالية إلى تغيير في العادات الغذائية للرحل الذين التجأوا إلى استهلاك بعض ما لديهم من المواشي، مع اقتناء الخضر والفواكه التي يجلبها بعض الباعة المتوفرون على الرخص الاستثنائية والذين يتوجهون لمركز منطقة سيدي عياد ليوزعوها على الرحل الراغبين في البيع “إلى حين ميسرة”.
 
ولم تكن هذه المبادرات لتغني عن تدبير رحل درعة تافيلالت لمجالهم المعيشي بصرف ما جمعوه في السنوات الماضية من مدخرات أو اختيار طريق “السلف” إلى حين مرور هذه الظرفية الاستثنائية.
 
روح التضامن تسري في صفوف الرحل
 
وأكد السيد عسو استي، العضو بالجماعة القروية ميبلادن (إقليم ميدلت)، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن رحل المنطقة يعيشون حاليا من مدخراتهم، مشيرا إلى روح التضامن السائدة بينهم، خاصة على المستوى العائلي، مع استفادتهم من الإعانات التي تقدمها الدولة.
 
وأشار السيد استي إلى استفادة رحل منطقة سيدي عياد من قفة رمضان ومن المبادرات التضامنية التي تقوم بها الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن).
 
وأضاف أن أغلب رحل المنطقة لا يتنقلون بحكم فرض حالة الطوارئ الصحية، رغم أن معيشهم اليومي يحتم التوجه إلى أماكن أخرى من أجل الكلأ أو رعاية الماشية التي تم اكتراء أماكن معينة لها.
 
واعتبر أن التفكير ينصب أساسا حول سبل الحفاظ على الماشية، لاسيما في منطقة تمحضيت التي سجلت بها سنة جافة، مما يضطر الرحل لكراء المراعي التي تكلفهم حاليا أتعابا مادية بفعل عدم بيعها في الأسواق المغلقة بسبب الحجر الصحي.
 
دعم متواصل من الدولة للرحل
 
وأمام هذه الوضعية، يؤكد السيد محمد بوسفول المدير الجهوي للفلاحة بجهة درعة تافيلالت أنه اتخذت عدة إجراءات هامة من أجل التغلب على هذه الوضعية، خاصة على مستوى توزيع الشعير المدعم الذي سيدخل مرحلته الثالثة.
 
وأشار السيد بوسفول، في تصريح مماثل، إلى أن هذا النوع من الشعير الذي تدعمه الدولة لفائدة مربي الماشية في جهة درعة تافيلالت متوفر في جميع نقط البيع، خلال الفترة من مارس الماضي إلى شتنبر المقبل، عبر 9 مراكز أساسية توجد في الأقاليم الخمسة في الجهة (الرشيدية، وتنغير، وميدلت، وزاكورة، وورزازات).
 
وشدد على وجود دراسات في طور التحضير حول خرائط المراعي بجهة درعة تافيلالت بناء على القانون المتعلق بالترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية.
 
وتروم إجراءات العناية بالمراعي تنمية وإحداث مناطق رعوية محمية، وتطوير بنياتها التحتية، والنهوض بسلاسل الإنتاج المرتبطة بالمراعي كتربية الأغنام والماعز والإبل وتربية النحل وزراعة الأعشاب العطرية والطبية.
 
وأكد أن الرحل، الذين لا يزالون يعتمدون على التنقل، يمكنهم التوجه إلى مناطق رعوية بدرعة تافيلالت، حيث تنظم الحركة في هذه الظرفية بعد عقد عدة لقاءات مع السلطات المحلية، من خلال الحصول على شهادة من القطاع الفلاحي.
 
وأبرز أنه ينصح في ظل هذه المرحلة الحرجة أن يظل الرحل، الذين يتوفرون على الكلأ، في أماكنهم، ومن لا يتوفر على ذلك يمكنه الحصول على الشهادة وفق شروط معينة.
 
وشدد على أن الكلأ في جهة درعة تافيلالت متوفر حاليا بشكل كبير، وذلك بعد التساقطات المطرية الأخيرة، مضيفا أنه يتسم بالجودة والوفرة في المناطق الجبلية، مستدركا بأن بعض المناطق الرعوية تأثرت جراء ارتفاع درجات الحرارة.
 
وقدم السيد بوسفول نصيحة بعدم الترحال المجاني الذي لافائدة منه في ظل هذه الظروف الصعبة التي تحتم الامتثال الصارم للتدابير الصحية الموصى بها من قبل السلطات المحلية والمصالح الصحية.
 
تدابير صارمة وامتثال للحجر الصحي
 
ورغم هذه الظرفية الصعبة، فإن السيد عسو استي، العضو بالجماعة القروية ميبلادن (إقليم ميدلت)، يشدد على أن رحل المنطقة يطبقون صيغ التباعد الاجتماعي وعدم الاختلاط إلا للضرورة مع ارتداء الكمامات، لاسيما أن هناك وعيا متزايدا لدى الرحل لكونهم “شغوفون بالإستماع إلى المحطات الإذاعية التي تقدم نصائح مهمة في هذا المجال”.
 
ومن أجل مساعدة الرحل على الاستقرار والتغلب على بعض الصعوبات الحياتية، يقترح السيد استي تنفيذ برنامج لتزويدهم بالطاقة الشمسية لتمكينهم من التواجد لأطول فترة ممكنة في المنطقة.
 
ويبدو أن الرحل واعون بإكراهات هذه الظرفية التي يعرفها المغرب، مما يدفعهم إلى تحدي الواقع والبحث عن السبل الكفيلة بتجاوز كل الصعاب مع الاحترام الدائم للتدابير الخاصة بالحجر الصحي من أجل سلامتهم وأسرهم.

المصدر: و.م.ع