
يعتبر البعض أن الحركة الأمازيغية هي وليدة الستينات من القرن الماضي (القرن العشرون)، ونشأت من قبل نخبة من الفعاليات الواعية بالقضية الأمازيغية والقادرة على خوض معارك إثبات الذات "الهوية الأمازيغية" بطرق سلمية وحضارية، رغم تعرضها للمضايقات وجميع أشكال القمع والاضطهاد الممنهجين، تتمثل في استهداف كل من كان يحمل الهم الأمازيغي ويدافع عن قضيته المشروعة والعادلة ب"المغرب"، وذلك تمهيدا لاستبدال واقع طبيعي معاش بواقع آخر مستورد، ويأتي هذا كمرحلة أولى لبناء الدولة المغربية بهوية أحادية عربية !!! بعدما تم تدمير جميع البنى السوسيوثقافية للمناطق التي يسكنها الأمازيغفون من قبل المستعمر الفرنسي والاسباني الذي سُخر لهذه المهمة مقابل نهب ثروات البلاد.
فإحساس الأمازيغ بخطر مشروع التعريب الذي أتى به حزب الاستقلال وحزب البعث، وكذلك مصادرة أراضيهم وتفويت الأخرى التي انتزعها منهم المستعمر لغيرهم، دفع ثلة من المناضلين الأمازيغ الموالين لجيش التحرير والمقاومة الشعبية بالمدن وبالجبال للتحرك والتمرد رغم المطاردات والمواجهات التي كانت تنتهي في أغلب الأحيان بالاعتقالات والاختطافات من قبل الثالوث الجهنمي المستمد قواه من تجربة حزب البعث، والدعم المالي من الخليج العربي ، واللوجستيكي والتأطيري من قبل المستعمر الذي كان يراهن على حماية مصالحه بطرق غير مباشرة، علما أنه في بداية "الاستقلال " صار القوميون والمحسوبون على ما كان يسمى ب"الوطنيين" يتحكمون بزمام الامور، خصوصا وأن حزب الاستقلال كان يبسط نفوده على أغلب المناطق ب"المغرب"، وصفا القبائل الامازيغية بالانفصالية، وذلك لتبرير وشرعنة تدخله من أجل إخضاعها لمخططه التعريبي، سعيا الى ترسيخ أسس العروبة الذي بدأ عمليته الإجرائية سنة 1956 بإعلان عروبة الدولة المغربية لأول مرة كما تلاها انضمام المغرب "العربي" الى الجامعة "العربية" في نفس السنة، ثم التركيز أساسا على تعريب المنظومة التعليمية التي تمرر ايديولوجية قومية عربية بغلاف الدين الذي يكسب عطف الأمازيغ ، منتهزين طبع المرحلة الانتقالية التي ناضل وقاوم من أجلها جميع المغاربة.
بالمقابل يرى البعض الآخر أن هناك دلائل قاطعة وقوية تثبت أن الحركة الأمازيغية نشأت منذ أوائل القرن الماضي (القرن العشرين) قبل طرح مشروع الدستور الأول للبلاد سنة 1908 م حيث تم نشره في أربعة أعداد متتالية (56-57-58-59) من جريدة أسبوعية باسم "لسان المغرب" الذي كان يصدرها السيد فرج الله تمور من طنجة ، ومن أهم البنود التي ميزت هذا المشروع هو البند الاول الذي غير اسم البلاد من بلاد مراكش (أمور ن ياكوش) الى اسم الدولة المغربية (المادة الأولى: يطلق على جميع الأقطار المراكشية اسم الدولة المغربية الشريفة). هذه المرحلة طبعتها عدة أحداث اعتبرها المخزن وحلفائه آنذاك بالسيبة مثل ما اعتبر ظهير 16 ماي 1930 "بالظهير البربري" ، مثلما يُنعت الأمازيغ في الوقت الراهن(الحركة الأمازيغية) بالمطبعين مع إسرائيل أو العاملين لصالح الأجندة الخارجية.... فبعد تحول اسم البلاد من "أمراكش" الى "المغرب" تم انتقال الى المرحلة الموالية في مخطط التعريب وتبين ذلك في تصدير الدساتير المتتالية :
دستور 1962 و1970 و1972: "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب الكبير".
دستور 1992 : "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير".
إن الحركة الأمازيغية حركة هوياتية، سلمية، شرعية، تقدمية، ديمقراطية...، تدافع عن حقوق الشعب الأمازيغي في بلاده "تمازغا" وبالخصوص في أمراكش (المغرب)، كشعب أصلي بالأسبقية والأقدمية التاريخيتين،، وليس طبقا للتعريف الأممي، حيث لن يسبق له أن فقد السيادة على أرضه عبر التاريخ (كما تقدم الأستاذ بودهان بشرحه في مقال له تحت عنوان: الشعب الأمازيغي لم تنطبق عليه التعرف الأممي للشعوب الأصلية). ويمكن استخلاص أهم أهدافها كالأتي:
-
الحفاظ على الهوية الأمازيغية (الأرض، اللغة، الثقافة...) لشمال إفريقيا
-
استرجاع كل الأراضي التي انتزعها المستعمر الفرنسي من الأمازيغ والتي نقل ملكيتها الى الوافدين.
-
التصرف في جميع الثروات الطبيعية من طرف الأمازيغ كحق يقر به المنتظم الدولي لحقوق الشعوب الأصلية.
وتنهج استراتيجية الدفاع عن الحقوق بأشكال سلمية معتمدة ثقافة الاحترام والاحترام المتبادل والتعايش إيمانا منها بمبدأ الاختلاف والتعدد، هذا المبدأ المنصف هو مكمن قوتها التي تجعلها دائما قوية على الرغم من شراسة المهاجمين عليها، مما نتج عنها تحقيق مكتسبات حقوقية كبيرة على المستويين الوطني والدولي. وأهمها " ترسيم الأمازيغية لغة وثقافة وهوية في دستور 2011 "، الذي جاء في خطاب 30 يونيو 2011، هذا الاستحقاق لم يكن ينتزع لولا الحضور القوي والفعال للحركة الامازيغية، سيما في الربيع الديمقراطي وخصوصا في حراك 20 فبراير 2011،. فتأخر في تفعيل ترسيمها في جميع الميادين الحيوية مثل التعليم والّإعلام والقضاء ...، وعدم الحرص على أن تحظى اللغة بنفس المكانة أسوة بما تحظى به اللغات الأخرى رسمية كانت أو غير رسمية...وكذلك عدم أخد بعين الاعتبار إعادة نظام كتابة اللغة الأمازيغية بأحرفها "تيفيناغ" كخطوط تراثية كتبت بها اللغة الأمازيغية من قبل والذي يسهل كتابتها وانتشارها، تعتبر الحركة الأمازيغية هذا التعامل تراجع الدولة في ميدان الحقوقي دون مبررا لذلك.
فبعد ظهور الوعي برد الاعتبار للأمازيغية، وكذلك نتيجة الأبحاث الأكاديمية العلمية في موضوع الأمازيغية والحفريات الأركيولوجيا كالاكتشافات المتعلقة بالنقوش الصخرية والآثارات والبقايا التي تثبت بعد دراساتها، دراسة أنثربولوجية وتاريخية وليسانية، أن الحضارة الأمازيغية حضارة متميزة وعريقة جدا، يمنح الحركة الأمازيغية سلاح الإيمان بالمشروعية التاريخية والنضالية الشيء الذي يعزز قوتها ويمكنها من خوض معارك نضالية سلمية لتحقيق أهدافها، فتعاملها مع الوضع الراهن يستدعي منها، أكثر من أي وقت مضى، التحلي باليقظة والمرونة في كل الخطوات النضالية التي ترسمها خصوصا في ظل الاضطرابات السياسية التي يعرفها العالم في الآونة الأخيرة،. وهذا من طبيعة الحال ليس بتراجع أوتقهقر في النضال ولا حتى غيابها في الساحة الحقوقية الوطنية والدولية. بل التفكير المعمق في منهجية نضالاتها الملائمة مع المرحلة القادمة وبناء خطة استراتيجية وتنظيم محكم سعيا لتحقيق مكتسبات جديدة. طبقا لمقولة لينين "خطوة إلى الوراء، خطوتين نحو الأمام".
محند ميموني : عضو المجلس الفدرالي للكونغريس العالمي الأمازيغي (CMA)