مرة أخرى، تجيد قريحة أحد أيتام العروبعثية البائدة بأفكار أقل ما يمكن القول عنها، كونها تعود الى زمن الصعاليك ممن لا يجيدون غير السلب والغصب، كيف لا وهو الذي يحاول سلب الناس هويتهم على أرضهم، وغصب الناس لغتهم من ألسنتهم. كتب وهو يحاول أن يوهم الناس أن "أرض العرب لا تتسع لتعدد القوميات المصطنعة" في إشارة إلى المغرب وكونه لا يقبل "القومية" الأمازيغية. منطق موغل في الشوفينية والعصبية المقيتة التي لا يعقل بتاتا أن نجدها عند إنسان سوي ومتزن.
لغى اللاغي وأفتى بغير علم، ليس من باب الاجتهاد ولكن من باب التهجم المقصود، والتجني المعهود من أناس بلغ بهم اليأس أعلى الدرجات، يأس من انحسار القواعد التي بدأت تكتشف زيف الشعارات "الوحدوية" وبطلان الادعاءات "التقديسية"، يأس من تنامي الصوت وانتشار الوعي الأمازيغيين، اللذين صارا يهددان المعابد القديمة وكياناتها الوهمية بشكل أصبح معه الحراس مهلوسون الى حد السعار.
من بين ما استغربت له في مقال صاحب اللغو هذا، قوله بعد آية أن المجاز واضح، فأين للهجات من هذا الفن الكلامي؟ لست أدري كيف يسمح صاحب هذه الخزعبلات أن يخص اللغة العربية بالفن الكلامي وينفيه عن باقي اللغات وخصوصا اللغة الأمازيغية التي تعمد تسميتها باللهجات، وهو الذي يجهل هذه اللغة جملة وتفصيلا؟؟ متى تعلمت الأمازيغية لتعرف فن كلامها وتكتشف مجازها وبلاغتها، طباقها وبيانها؟؟
من جهة أخرى أسهب المفتري في اتهام الأمازيغ بمعاداة اللغة العربية ومحاربتها، ناسيا أنه وخصوصا في شمال أفريقيا، كان ولا يزال الأمازيغ من أعظم من خدموا ويخدمون هذه اللغة ويدرسونها ، بعد أن أبدعوا بها وفيها بل وقعدوها، تأكد أننا –نحن الأمازيغ- لم ولن نبلغ من الحقد ما أفصحت عنه تجاه لغتنا، لكننا سنظل نحارب أفكارك وأفكار أمثالك ممن يحاولون رفع علم التعريب فوق أنقاض لغتنا التي سنظل نفتخر بها وندود عنها، سنستميت في محاربة سياسة التعريب التي فرضت علينا قسرا، فمسخت البلاد والعباد.
تأكد أننا كمطالبين بالحقوق لسنا نناهض الوحدة بعصبيات قبلية ونحن الذين نقول بهوية الأرض، بل انك وأمثالك ممن يحلمون بوطن من المحيط إلى الخليج على حساب أهله، هم من يهددون الوحدة، نحن هنا قلبا وقالبا، ولسنا نطالب بتعليم لغتنا على قدر المستطاع، بل على قدر الواجب الأخلاقي والشرعية التاريخية التي تضمنها المواثيق الأممية.
من بين الحماقات التي أتى بها العروبعثي المسكين، قوله بنزول اللغة العربية من السماء، في صورة مثيرة للضحك وللشفقة، إن إستغلال الإسلام والعقيدة لنشر "العوربة" المقيتة لم يعد يجدي في شيء، فالرسالة الربانية التي تسيئ أنت وأمثالك اليها رسالة للعالمين، ولتتحمل أنت ومن يرقصون على ايقاع سمفونيتك المقرفة وزر من يسيؤون فهم هذا الرسالة وسماحتها التي لوثتها محاولتكم الخلط بين العروبة و الإسلام في أبشع صور الاستغلال للدين ولقدسيته في نفوس الناس.
ومن بين ما أسمعه لأول مرة من هذا المبتدع (من البدعة) كون اللغة العربية نزلت ناضجة كاملة، لم أفهم وربما لتواضع فهمي هل كانت اللغة العربية قبل نزولها المفترض مع الرسالة المحمدية موجودة في شبه جزيرة العرب أم أن العرب كانت تتكلم لغة أخرى قبل أن يمن الله عليهم بهذه اللغة المقدسة، ومن جهة أخرى، أتساءل ما الذي فعله ابن اجروم، الدؤلي، الزمخشري وسيبويه حتى يحتفظ لنا التاريخ بأسمائهم.
لن أظلمك إن أنا سميتك بيتيم القذافي أنت الذي تظن أن الأمازيغ عرب عاربة، فمن منا الحاقد، أنت الذي تريدني أن أكون من العرب العاربة أم أنا الذي أسعى إلى إنصاف لغتي التي تريد كسر أُنف من يتكلم بها وعنها بعد أن ضاق صدرك لسماعها. فلتعلم يا يتيم "العفلقية" هذا أن كون اللغة الأمازيغية مخطوطة على نقوش على الحجر مبعث فخر لنا ولها، ودليل قطعي على أصالتها وتجذرها في التاريخ وعلى أراضيها، تجذر يجعل منها من أقدم لغات العالم في يومنا هذا بعدما انقرضت كل اللغات التي عايشتها، تجذر يمكن اعتباره معجزة وهي اللغة التي لم يحفظها لا دين ولا كتاب مقدس .
أيها المستعرب المغرر به، تحدث اللغة التي تشاء، لكن تأكد أنك أمازيغي تحارب نفسك بنفسك، لقد رفعت الستار مرة أخرى عن رفاقك من "التعريبيين" وكشفت عنهم القناع، فأنتم تحقدون على لغتنا وهويتنا وتتضايقون من وجودنا، أنتم لا تواجهون الفرنسية ولا غيرها، بل إن سهامكم الصدئة موجهة ضد خصوصيتنا الأمازيغية التي ستظل شوكة في حلقكم.
إن الخوض في أمور من قبيل الهوية واللغة لم يعد يتأسس على الوصايات والنزوات الشخصية، وما التشكيك والتخوين إلا أسلحة الضعفاء العاجزين عن المقارعة والمناظرة، لعل النقاش العملي لا يستقيم في غياب الموضوعية ووضع الظواهر في إطارها وفق أدوات علمية تتناول شروط نشأة هده الظاهرة أو تلك، ولا يكفي وضع الطربوش أو الطاقية أو العمامة على رؤوس السذج لتغيير هوية شعب عريق كالشعب الأمازيغي.
في الختام، ربما أجدني ملزما بتذكير صاحب المقال أن أمازيغوفوبيته تقتضي منه السعي الى تغيير اسمه العائلي الأمازيغي، وهو المنسوب إلى مدينة مغربية لم تتأثر بعد بالمسخ الهوياتي الذي يطال مدننا وقرانا.