فريق مؤسسة الثانوية التأهيلية ابن ادهم تنغير- جديد انفو 

ليس من نافل الجهد التذكير الدائم والمستمر بأهمية الماء وقيمته، وليس خطابا مناسباتيا الدعوة إلى ترشيده وحسن تدبيره، ومن هذا المنظور تنطلق ورقتنا البحثية هذه والتي سنحاول من خلالها تسليط الضوء على السياسة المائية بإحدى مناطق الندرة والإجهاد المائي: واحة تنغير.

يعتبر المغرب من الدول الواقعة ضمن نفوذ تأثير الظواهر المناخية المتطرفة: الاحتباس الحراري وما ينتج عنه من تقلبات مناخية قاسية تهدد الاستقرار السكاني والاقتصادي الاجتماعي، وتتجلى تناوبا من خلال فيضانات عنيفة أو سنوات جفاف متوالية.

ووعيا منه بهذا المعطى المناخي البنيوي، سخر المغرب خططه الاستراتيجية، منذ النصف الثاني من القرن الماضي، من أجل تجنب تأثيرات هذا المعطى المناخي السلبية من خلال سياسة حكيمة مستشرفة دشنها الملك الراحل الحسن الثاني " باني السدود" وحافظ على نهجها وبزخم أكبر جلالة الملك محمد السادس، سياسة جنبت المغرب ويلات الجفاف الأخير الذي أنهك البلاد لأكثر من ست سنوات متتالية.

 وإذا كان هذا المعطى البنيوي والقاسي يميز المناخ المغربي عموما، فإنه يفرض بصمته الأشد ضراوة على أقاليمه الجنوبية والجنوبية الشرقية بشكل خاص (منطقة تودغى مثالا)

فماهي   ملامح السياسة المائية بهذه المنطقة؟ وماهي التهديدات والفرص؟ وما هي طرق الاستدامة؟

   الخصوصية

  يعتمد المغرب بشكل أساسي في تلبية احتياجاته المائية على المياه السطحية ثم الجوفية ومصدرهما الرئيس هو الأمطار، وبالتالي فإن مخزونه منهما مرتبط بمدى انتظام هذه التساقطات ونسبها. الشيء نفسه ينطبق على واحة تودغى لكن بدرجة أكثر تعقيدا، وذلك بسبب الخصوصيات التالية: كما صرح به البرلماني السابق احمد صدقي والذي ترافع بجد ومسؤولية عن بناء مشروع سد لساكنة المنطقة.

- منطقتنا منطقة شبه صحراوية نسبة التساقطات بها ضعيفة عموما.

- منطقتنا "واحة" وبالتالي فمنابع الماء متمركزة ولا تغطي جميع تراب المنطقة، وهذا. يجعل بعض أجزاء المنطقة تعرف ضعفا ونقصا في التزود بالماء شربا وسقيا.

- منطقتنا حيوية وتعرف توسعا ديموغرافيا ملحوظا، تعقبه بالضرورة حركة تنموية تستدعي تعبئة إضافية ومتنامية للموارد المائية (مثال ذلك توسعة مدينة تنغير عمرانيا وإداريا لتصبح عمالة وقاطرة للمنطقة برمتها).

- الأنشطة السكانية بمنطقتنا رعوية زراعية سياحية وتعدينية، وهي أنشطة مستهلكة للمياه بكثرة ومعتمدة عليها في خلق الثروة وبالتالي توفير مناصب شغل واستقرار سكاني واجتماعي.

- منطقتنا عرفت موجات جفاف طاغية ومتكررة نتج عنها استنزاف للفرشة المائية وغور الماء وتعطيل مجموعة من الآبار ونقط الماء.

- منطقتنا تعرف عدم انتظام في التساقطات توزيعا وزمنا ونسبة، وهو ما يلاحظ في موجات الفيضانات الشديدة ذات الخسائر العالية في الأرواح والماشية والممتلكات والبنية التحية من طرق وقناطر.. والتي تضيع مياهها في الرمال وفي الحدود الشرقية المغربية دون كبير فائدة على المستويين المتوسط والبعيد.

  الاستراتيجية:

أخذا بالاعتبار كل تلك الخصوصيات، كان من الضروري والاستراتيجي وضع خطة مائية تستحضر الحاضر والمستقبل. خطة كان من نتائجها المحمودةالتفكير بتشييد سد تودغى في عالية منطقة (تمتوشت.) والذيبدأت الاشعال به سنة 2017 وهو السد رقم 140 في سجل السدود الكبرى على الصعيد الوطني، والتي تبلغ حقينته حوالي40 مليون متر مكعب.

- الأثار المحتملة:

: 1 - سلبا

- التعبئة العقارية للمشروع وهو ما استدعى نزع ملكية أراض أو تقليص مناطق رعوية أو تحويل ساكنة وتنقيلها.

- المس بالتوازن البيئي بمنطقة التشييد وبالكائنات الحية التي كانت تعتبرها مجال عيش حيوي.

- السد بحيرة ومسطحة مائية وتجمع ضخم للمياه له تأثير أكيد على مستور الرطوبة وهو معطى له تأثيره على نوعية الغطاء النباتي وعلى المجال الإحيائي: طيور وأسماك وحشرات وفصائل حيوانية أصيلة بالمنطقة ستجد نفسها أمام إحدى الهجرة أو التكيف أو الانقراض.

: 2 - إيجابا

أكيد أن مشروعا بهذه الاستراتيجية والإلحاحية ستكون له حسنات عدة كما أكد لنا احمد صدقي، نذكر من بينها

توفير مورد مائي مستدام يلبي احتياجات المنطقة والساكنة

- التخفيف من آثار موجات الجفاف وضمان استدامة الزراعة المعاشية والتفكير في تطويرها وتطوير بنياتها.

- الحد من تكرار مآسي الفيضانات اجتماعيا واقتصاديا

- توفير بيئة مائية تسمح بتطوير المجالات الاقتصادية الأساسية بالمنطقة: بنيات سياحية فندقيةوتعدينية (مناجم المنطقة) وتطويرها نحو المحافظة على فرص الشغل الحالية وخلق فرص شغل إضافية تتماشى والنمو الديموغرافي للمنطقة والذي يعتبر الشباب ميزته الأبرز.

- التحفيز على التمسك بالأرض وخلق مشاريع ذاتية مدرة للدخل وخالقة للثروةبدل من استنزاف الطاقات الشابة والكفاءات عبر هجرة تعرفها المنطقة منذ عقود نحو الداخل والخارج.

- تغذية الفرشة المائية بالمنطقة تعويضا عن استنزاف غير معقلن قابل شحا في تخزين تضاءل بفعل الجفاف المقيم.

- تحسين الغطاء النباتي والرعوي وإعادة التوازن البيئي وتقوية السلسلة الغذائية للوحيش المتعايش بالمنطقة (استقرارالطيور والحيوانات البرية ووفرة ما تعيش عليه، الأسماك والحشرات والزواحف وأدوارها المختلفة في خدمة التنوع البيئي وتوازنه).

- إضافة فضاء رطب (بحيرة السد ومجرى حقينته) يشكل مجال ترفيه واستجمام سيعزز دون شك، قدرة المنطقة السياحية.   الاستدامة:

بخوص اهداف المشروع أكد احمد صدقي أن سد تودغى هو قيمة مضافة عليا إلى المنطقة والجهة عموما، وأنه بنية تحتية ومنشأة فنية ستنعكس آثارها الإيجابية على المنطقة برمتها، لكنقد لا يغدو ذلك كافيا دون استحضار أبعاد الديمومة والاستمرارية في المستقبل، وذلك من خلال الأخذ بالاعتبار ما يلي:

- مشروع السد هو مشروع مجتمعي جاء لخدمة الجميع

الحرص على ترشيد مياهه: فبناء سد لا يضمن بالضرورة عملية ملئه، وبالتالي فما يتم تخزينه فيه هو أيضا عرضة للاستنزاف والزوال إذا لم ينزل الله الغيث.

- التوعية والتحسيس بأهمية هذه الثروة الطبيعية والتي تعتبر عنصرا من أمننا القومي والاستراتيجي، باعتبارها ثروة هشة تتعدى ملكيتنا لها إلى ملكية أجيال المستقبل ووجب علينا المحافظة عليها.

- توعية القطاعات الأكثر اعتمادا على الماء واستهلاكا له، بضرورة التفكير في بدائل مبتكرة لتخفيض الاستهلاك وترشيده، مثلا في الفلاحة: اعتماد التنقيط الموضعي بدل الإغراق، وفي التعدين: العمل على إعادة تدوير الماء، وفي القطاع السياحي اعتماد التنظيف الكيميائي   لأحواض السباحة...

- تنقية السد من الترسبات والتوحل، من أجل استغلال طاقته التخزينية بشكل أمثل.

- التفكير في طرق مبتكرة للمحافظة على المياه المخزنة في السد من عملية التبخر وخصوصا إن منطقتنا تعرف ارتفاعا في عدد الأيام المشمسة ذات الحرارة المرتفعة: وفي هذا الإطار يمكننا اقتراح تغطية سطح بحيرة السد بألواح شمسية تعكس أشعة الشمس وفي الوقت نفسه تولد طاقة نظيفة ورخيصة ومستدامة.

- التشجيع على احتضان الساكنة المحلية لهذا المشروع المائي وحفزهم على الانخراط في استدامته وترشيد استعمال ثروته، وذلك من خلال خلق أنشطة لهم مرتبطة بالسد ومدرة للدخل وموفرة لفرص الشغل، على غرار دور الضيافة ومآوي السياح، استزراع الثروة السمكية ومنح رخص الاستفادة المحلية منها، مشاريع الترفيه والاستجمام: زوارق ومعدات الألعاب المائية الترفيهية، مسابقات الصيد الرحيم الذي يراعي عدد الأسماك المصطادة وحجمها، وقد استقبل السد اول حمولة سنة 2022 بنسبة ملئ بلغت % 4

     خلاصة:

على الرغم من كون المغرب من أكبر ضحايا الاحتباس الحراري والتقلبات المناخية، إلا أنه استطاع تجنب الأسوأ من خلال سياسة مائية ذكية تراعي الخصوصيات وتحرص على الاستدامة، وسد تودغى هو لبنة جديدة في الاستراتيجية المائية الكبرى والتي، بدون شك، ستسهم في التنمية وفي تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة وفي ضمان حق الساكنة في ماء هو مصدر الحياة الكريمة.