جديد انفو - متابعة
واحات المغرب كنز وتراث طبيعي يمتد من فكيك حتى آسا على مساحة أراض تصل إلى نحو 1.2 مليون هكتار، تتركز الزراعة بشكل رئيسي على أشجار النخيل، بمجموع يصل إلى أكثر من 6 ملايين نخلة، وإنتاج سنوي يصل إلى حوالي 100 ألف طن من التمور، غير أن مساحة الزراعة منها بدأت في التقلص بنسبة 10% خلال العقد الماضي، مقابل تراجع مواردها المائية بما يناهز 30%، وتنامي الحرائق بمتوسط سنوي يصل إلى أَضرار تطال نحو 3350 هكتارا كلّ عام، وفق إفادات الوكالة الوطنية للمياه والغابات.
وسبق لمدير الوكالة الوطنية للمياه والغابات، عبد الرحيم هومي، أن كشف أمام البرلمان، أن عدد الحرائق في عام 2022 كان “استثنائيا” باندلاع 500 حريق، أتى على 22 ألف و800 هكتار ، بما فيها الواحات، مشيرا إلى أن المتوسط السنوي للأضرار يبلغ 3350 هكتار في السنة.
ويرى سعيد العنزي تاشفين، وهو باحث في سوسيولوجيا الهوية، أن ما يحصل اليوم في واحات المغرب هو أن البنية الأوليغارشية الفلاحية المستحدثة (طبقة أثرياء الفلاحة) أخذت الأرض والماء وفرضت ايقاعات جديدة هي التهجير بفعل مأسسة العطش في جغرافية التهميش والإزدراء وهو ما قد يخلق ديناميات مجتمعية عفوية من أجل الماء في الأمدين القريب والمتوسط”.
وسار العنزي، ابن درعة تافيلالت، إلى وصف ما يحصل بأنه “اغتيال رمزي لواحات المغرب على الإصرار والترصد لدواعي سياسية أو فكرية أو أيديولوجية ، فمنح مقدرات الشعب من ماء وأرض للأقلية عبر مؤشرات ريعية منها منحها أراضي القبائل على طبق من ذهب بمقتضى القوانين الجديدة 17/ 62 و 17 / 63 و 17 / 64 ، والترخيص لها باستنزاف مياه باطن الأرض ، دون مراقبة ، والتي تعتبر مخزونا استراتيجيا لا يُلجأ إليه إلا من أجل سقي الإنسان لا لتصدير الماء نحو أوروبا وإفريقيا باسم تصدير التمور والتفاح كمواد ليست في متناول الطبقات الشعبية المغربية. كما أن فعل “الإغتيال ” قائم إذا ما دم نمط الإنتاج القائم في الجنوب الشرقي هو خدمة أثرياء الفلاحة وتفقير وتهجير القبائل التي توارثت هذه القفار أبا عن جد ضمن ما أسميه بسيولة الهوية الجماعية بفضل الأرض”.
أما الباحث في الشأن البيئي محمد التّفراوتي، فيرى أن “معظم الواحات تعاني. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فمن المتوقع اختفاء الواحات، على المدى الطويل إلى حدّ ما. وليست الأسباب الطبيعية، وخاصة الجفاف أو تغير المناخ، هي الأسباب الوحيدة التي توجه لها اللائمة، فالتدخل البشري يشارك إلى حد كبير في هذه الإشكالية. والمغرب سيخسر لا قدر الله عنصر من تراثه الوطني والطبيعي، لأن سوء الاستغلال وهدر الموارد يعجلان بمعاناة الواحات ويسرعان من تدهور مساحاتها الوارفة، مما يؤدي إلى تداعيات اجتماعية خطيرة”
ويؤكد الباحث التفراوي، في حديث لموقع “لكم”، أن “الحرائق التي باتت كل سنة مؤكدة أضحت أقسى اللحظات إيلاما وأوجع المراحل فاجعة، تفاجئ قاطني مختلف ربوع المناطق الواحاتية. افتتحنا موسم الصيف الحالي بحرائق مهولة بإقليم تنغير وطاطا. وهنا نطرح السؤال. هل ندمر الواحات بأيدينا، أم هو جور الطبيعة وقساوة المناخ؟. هل نجعل أزمة المناخ مشجب نعلق عليه خيبة وفشل أداء الجهات المعنية بالقطاع أو المجال؟.
وسار الناشط البيئي إلى التأكيد على أن “الوضع ينذر بسوء العاقبة، رغم المجهودات المبذولة، والمخططات المرسومة، إلا أن التّقهقر مستمر. وهنا لا يجب أن نبخس المجهودات المبذولة من قبل المؤسسات الرسمية، أو نتجه إلى عقلية المؤامرة. كي نكون موضوعيين في مقاربة الإشكالية. فلا ننسى مبادرات الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان، لها برنامجا وطنيا للوقاية من الحرائق والتصدي لها مع مختلف المعنيين باستخدام تقنيات مبتكرة للكشف المبكر والعمل بالكاميرات والطائرات بدون طيار وإجراءات أخرى مختلفة، ونذكّر هنا توقيع رئيس جهة سوس ماسة اتفاقية شراكة مؤخرا، بغلاف مالي يصل إلى 20 مليون درهم، لكن لكن يبقى حجم المعضلة أكبر والاكراهات أشمل.. هل ربما الضغط أقوى من كل الاتجاهات المتداخلة؟ لكن تبقى جودة التدبير في الميزان مطروحة.
وشدد المتحدث على أننا اليوم “نتطلع ونتمنى أن يتم الإفراج عن “استدامة الواحات” بمسؤولية وحزم وإجراءات إلزامية في أول مناسبة مقبلة تتجلى في المعرض الدولي للتمور بأرفود قبل نهاية السنة، وأنه يتعين تطوير وإدماج البحث العلمي مع علم الاجتماع لدراسة الوضع والحد من الاختلالات متداخلة الاتجاهات. وصياغة قوانين مناسبة لحماية وتطوير الواحات، وفي الآن نفسه إحداث استراتيجية مستدامة لتعبئة الموارد المائية، القلب النابض للواحات بتخطيط مجالي رصين”.
من جانبه، يرى من جانبه، محمد فوزي مدير قطب الواحات بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان أن “السلطات تقوم بجهود كبيرة لحماية الواحات من مخاطر الجفاف، وأن الوكالة تعمل على إنجاز مشاريع جديدة لحل المشاكل التي تواجهها الواحات جراء الجفاف، في إطار توصيات سابقة لوزارة الفلاحة، إذ جرى مؤخرا المصادقة على اتفاقية لتنمية الواحات بميزانية قدرها 545 مليون درهم من أجل إعادة تأهيل الواحات، والحد من الحرائق بها، وتوفير احتياجاتها من المياه”.
وأوضح فوزي أن “هذه الاتفاقية تشمل أيضا إنشاء 50 كيلو مترا من السواقي (لنقل المياه) والخطارات وتوزيع 1000 من فسائل النخيل. كما أن استراتيجية الوكالة بخصوص الواحات تشمل أيضا الحد من الحرائق بها، عبر إنشاء لجان إقليمية لتنسيق عمليات الإطفاء، وتحديد الواحات الأكثر عرضة للحرائق، فظاهرة الحرائق مرتبطة بالتغيرات المناخية، بالإضافة إلى تغير نمط حياة المواطنين أيضا”.
وأشار المسؤول إلى أن “مواطني الواحات كانوا في السابق يعتمدون على حطب النخيل كوسيلة للطهي، مما كان يخلص الواحة من كميات كبيرة من جريد النخيل، إلا أنهم باتوا يعتمدون حاليا على الغاز ما أدى إلى الاستغناء عن هذا الحطب، الذي يُعدّ الشرارة الرئيسية للحرائق”.
ووفق تقرير للمعهد المغربي لتحليل السياسات، فإن “الواحات تغطي 15 في المئة من مجموع مساحة البلاد، ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة، أي ما يعادل 5 % من مجموع سكان المغرب.