يسعى الأدب التفاعلي إلى التمرد على قوالب النص الادبي الكلاسيكي من خلال عملية دمقرطة إبداع النص الأدبي، حيث يتم إسقاط سلطة الكاتب، المالك الشرعي للنص وتعويضها بفكرة "الإنتاج المشترك للنص" بين الكاتب والمتلقي عبر تقنية إبداء الرأي و المشاركة في العملية الإبداعية عبرالتناوب في تغيير المواقع مبدع/متلقي ومتلقي/مبدع.
الصفة التفاعلية تبدأ في اللحظة التي يقع فيها النص الأصلي في شراك الشبكة العنكبوتية ليهجم عليه المتلقي إما بإكماله أو تغييره أو اللعب في فضاءاته و شخصياته وزمانه، فيشارك بذلك في إنتاج المعنى عبر الوسيط الالكتروني، والصفة التفاعلية مرتبطة أساسا باتساع استعمال شبكة الانترنيت التي تمكن الكاتب والمتلقي معا من فضاء مشترك لتقاسم النص كالمنتديات والصالونات الأدبية الإلكترونية أو المواقع والمجلات الأدبية الرقمية، غير أن فضاءات التواصل الإجتماعي هيمنت بشكل شبه مطلق على فضاءات التفاعل الأدبي نظرا لسهولة استعمالها وقوة انتشارها، ويبقى الفايسبوك أهم وأنجع هذه الفضاءات.
الشاعر غباري الهواري، واحد من المغامرين الذين اقتحموا مجال "الكتابة الفايسبوكية"، بعدما عانى وخاض تجارب حزينة مع الكتابة الورقية، فبعد أن تكلفت إحدى دور النشر بطباعة ديوانه "حدثني الماء" ـ سنة 2005 ـ سارعت الأخيرة بإعدام ديوان الشاعرعبر إتلاف آلاف النسخ المطبوعة لخلل في العقدة بين الكاتب والناشر، على هذه الأنقاض المريرة، يعتبر الشاعر"الهواري" أن ما يميز الفايسبوك كرافعة للنشر الرقمي هو التلقائية في التفاعل دون الإفراط في اللياقة الأدبية، وأيضا التّحكّم في طبيعة القارئ من خلال عملية اختيار الأصدقاء وحجب بعض النّصوص، ثم تقليص الهوة بين عمليتي إنتاج النص و نشره دون انتظار إذن أو موافقة من أحد، كما هو الحال في الجرائد والمواقع الإلكترونية الّتي تتطلّب موافقة المسؤول الثقافي. غير أن هذا لم يساهم بالضرورة في خلق كُتّاب ولكن في توسيع دائرة الكتابة، كما أن التشجيع المتبادل بين الأصدقاء من خلال عمليات الإعجاب أو التعاليق والذي غالباً ما تطغى عليه المجاملة، ساهم أيضا في خلق موجة كبيرة من الكتاب ولو بمستوى إبداعي مهزوز، حسب الهواري.
من جهتها تدافع سميرة أقابيل، باعتبارها واحدة من الكاتبات الحاضرة بقوة في زرقة الفاسيبوك عن تمردها على قواعد اللغة والتطريز الإنشائي التقليدي، معترفة أنها لا تلتزم بها ولا تعنيها، مادام النص لم يفقد جماليته ومادامت هي لا تبحث عن نياشين ويكفيها تعليقات المعجبين بكتاباتها و تفاعلهم معها. فعندما تكتب مثلا " تخي فخونشمون اذا ما أتيحت لي امكانية السفر في الزمن و العودة به للوراء و اذا تم وضعي أمام خيار أن أكون من عائلة كيليمينية بامتياز.." ، تعلن رفضها لوحدة اللغة بمزجها الفرنسية بحروف عربية مع العربية الفصحى والدارجة، كما أنها لا تتردد في أن تصرح أن كتابتها نوع جديد و أنها واعية كل الوعي بالمقاومات وإكراهات رفض الكتابة الأدبية الجديدة.
إلى جانب كتابات سميرة نجد أيضا إبداعات حليمة بلخديم، التي تتميز بحروفها الجريئة والثائرة ليس فقط على ضوابط اللغة، بل حتى على طابوهات المجتمع في نسق أدبي جعل من حائطها مزارا للعديد من عشاق الكتابة المختلفة. ترى حليمة أن الفايسبوك يلعب دورا كبيرا في نفض الغبار عن اللغة العربية، هذه اللغة التي عرفت ركودا تاما عند شرائح الشباب المختلفة، لتجد هذه الأخيرة حاضرة بقوة في الفايسبوك لديه، غير أنها تؤمن بالإنسان الكوني و تتقزز من كل القوميات، لتخلص إلى أن"الإيمان بالإنسانية يلغي وحدة اللغة بحيث تصبح كل اللغات ممكنة التوسل بغية تحقيق التواصل الإنساني كالموسيقى تماما، قاعدة علامات الترقيم هي جزء من القواعد التي لا أحترمها كوني لا أعتقد فيها، الكتابة تعبير عن الكلام، أين يجب أن تتوقف؟ أين يجب أن تتعجب؟ و أين يجب أن تستفهم؟ لا أؤمن بإنسان واحد بطريقة كلام مستنسخة، لا أطيق القواعد التي تحد من الحريات المعقولة".
لكن هل يكفي التمرد على اللغة والميزة التفاعلية والحرية التامة في النشر واختيار المتلقي للحديث عن أدب فايسبوكي؟
الهواري لا يعتقد في ذلك، ولكن يؤمن "بوجود عوالم جديدة إلكترونية تغزو كل المجالات وتغير الرؤى و المفاهيم".على عكسه ترى حليمة "أن الأدب الفايسبوكي أمر واقع مادمنا نعتبر الأدب شكلا من أشكال التعبير الإنساني يحمل رسالة في طياته، والفايسبوك لا يخلو من نصوص جميلة تحمل رسائل إنسانية".
من الناحية الأكاديمية والنقدية يقول المفكر والباحث في علم الجماليات موليم العروسي، في حوار مفصل حول ظاهرة الأدب الفايسبوكي أنه من السابق لأوانه الحديث عن جنس أدبي فايسبوكي قائم الذات،" بقدر ما يمكن القول ننا أمام محاولات فردية تسبق التأسيس الفعلي للظاهرة و ترسيخها و توسيع انتشارها، وكل ذلك رهين ومرتبط بالتراكم الكمي والكيفي ومعطى الزمان وأيضا بقوة إبداعات كتاب ومبدعي الفايسبوك".
المصدر: نون بريس