عبد اللطيف قسطاني - الرشيدية / جديد أنفو

"قرر الزميل فؤاد نامي مجددا الدخول في اعتصام واضراب مفتوحين عن الطعام وعن التصفية الدموية ابتداءا من يوم اﻻثنين 31 مارس ودلك بمقر تصفية الدم بكلميمة بسبب انسداد جميع اﻻبواب في وجهه وانعدام اي حوار جدي ﻻيجاد حل عملي لمشكله، رغم تهديدات باشا مدينة كلميمة ومدير مستشفى 20غشت الدي هو ابن المنطقة ويعرف احوال مرضاها برميه خارج المركز تعسفيا وطرده نهائيا من العلاج به ودلك بتوريطه بمشكل ما داخل المركز وارسال تقارير مغلوطة وغير صحيحة الى السادة: وزير الداخلية، وزير الصحة والسيد وكيل الملك بالمحكمة اﻻبتدائية بالراشيدية، ومن تم اعتقاله وقطع اعتصامه واضرابه المشروع. لكنه يقول ان ليس لديه ما يخسره ومستعد لكل شيء(اعتقال-سجن-طرد...وفاة) ومصمم على تحقيق مطلبه ولو كلفه دلك حياته.ارجووووووووو المتابعة؟؟؟؟؟؟؟"

هذا نص التدوينة التي وُضِعَتْ على صفحة جمعية مرضى القصور الكلوي بكلميمة على الفايسبوك، والتي يبدو أن كاتبها أحد أعضاء الجمعية أو أحد المتعاطفين مع قصة فؤاد، آثرت البدء منها دون تنقيح أو تصحيح.

وفؤاد نامي لمن لا يعرفه شاب كلميمي من مواليد 20-02-1982 بقصر آيت يحيى أعثمان، أصيب بداء السكري المزمن منذ سن الرابعة ليكون سببا في إصابته بمرض القصور الكلوي سنة 2008 بمدينة الرباط حيث كان يشتغل بشركة خاصة وكانت ظروفه المادية على الأقل تكفيه وتكفي أسرته التي لا معيل لها بعد الله سواه، وتكفيه هنا لا تعني أنه كان ميسور الحال بل تكفيه ضروريات الحياة التي لا يطمع الآن إلا في تحقيق أدناها دون الطموح لأكثر من ذلك.

قصة المرض التي بدأت مع فؤاد سنة 2008 جعلتهينقطع عن العمل لتبدأ قصته مع المعاناة.. معاناة من كل الجوانب، بعد أن فقد عمله وهو المعيل الوحيد، لأسرة تتكون من أب سبعيني وأم وإخوة صغار في طور التمدرس، وصار مريضا بداء مزمن قد لا يفارقه إلا بعد أن تفارق روحه جسده،لكن المعاناة الحقيقية التي أحس بها هي إحساسه ب"الحگرة" بعد الطرد التعسفي الذي تعرض له من صفوف الإنعاش الوطني التي ولجها بتدخل من عامل الإقليم آنذاك،بعد أن تسببت بعض الأيادي الخفية في فقدانه لهذا العمل، حسب تصريحه لنا، لتقضي على البقية الباقية من الأمل الذي سكنه بعد ستة شهور من العمل رغم التعويضات الهزيلة التي كان يتقاضاها.

فؤاد الذي قرر الإضراب عن حقه في الطعام وفي الاستشفاء، بعد يأسه من تحقيق وعود تلقاها في محاولاته السابقة، ليس وحيدا في المعاناة، وإضرابه الذي اختاره وسيلة للتعبير عن احتجاجه ومطالبته بحقه الطبيعي في كرامته الإنسانية، يحمل أكثر من معنى يتجاوز به حدوده الشخصية ليكشف الغطاء عن معاناة حقيقية يعانيها كل المصابين بالأمراض المزمنة ببلادنا، وعلى رأسهم بدون منازع المصابون بمرض القصور الكلوي.

مرض خبيث يصر على ربط الإنسان بالآلة، وأية آلة؟؟ آلة تخترق أحشاء المريض لتستخرج دماءه لتصفيتها ثم إعادتها لعروقه، قد يتسبب أي عطل فيها أو في التيار الكهربائي إلى استخراج روحه بدل دمائه..فضلا عن تكلفتها وتكلفة الأدوية المرافقة التي إن لم يتناولها المريض لا تزيده هذه الآلة إلا هزالا وفقدانا للمناعة، وهنا تبدأ المعاناة الحقيقية مع أدوية يعتبرها مرضى القصور الكلوي من "الخيال العلمي"، إن صح هذا التعبير، لقلتها في الأسواق ولأثمنها الخيالية التي ليس في مقدورهم توفيرها، خصوصا في الحالات المشابهة لحالة فؤاد العاطل عن العمل والمنحدر من أسرة بسيطة.

قد يقبل العقل رؤية مدن بأكملها تحتاج إلى التجهيزات الأساسية، وتفتقد للبنية التحتية، لكنه ليس من المقبول إطلاقا رؤية أناس يموتون يوما بعد يوم دون أن تتحرك فينا آدميتنا، على الأقل لقول: "اللهم إن هذا لمنكر"، فأينكم يا مسؤولي هذا الوطن أمام حالة شاب لا يطلب إلا إحساسه بآدميته، وتوفير الأدنى من ضروريات حياته؟؟ أين منتخبينا الذين أرهقونا بصراعاتهم الدونكيشوتية التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟؟ أليس حريا بنا بناء الإنسان قبل بناء الجدران؟؟ إن إعادة تهيئة المدن في اعتقادي رفاهية لا نستحقها مادام فينا أناس يموتون يوميا لأنهم لا يملكون ثمن الدواء، بل وثمن اللقمة التي يستحقونها.

فهل ستوقظ هذه الصرخة بعضا من إحساس مسؤولينا؟؟ أم أن آذانهم لا تسمع إلا الزغاريد والتصفيق، إن كان الأمر كذلك فلك الله يا فواد، ويا كل "فؤادات" هذا الوطن، فليس هناك من يسمع صرختكم لأن المرض حرمكم من الأيدي التي تصفق ومن الألسنة التي تزغرد.. لكم الله