زايد جرو + سعيد وعشى - الرشيدية / جديد انفو

مناسبة الثامن من مارس بقاعة فلسطين كانت مواتية للوقوف وجها لوجه مع لوحات الفنانة فاطمة الحمومي التي تنحدر في الأصل من  قصر مزكيدة، القصر العتيق بتافيلالت الذي أنجب عددا من المثقفين والمبدعين والكتاب والمسؤولين، وأغلبهم رحل عن المكان لتبقى  الذكرى عالقة إلى ما لا نهاية، لكن الفنانة بقيت مخلصة لنشأتها التي صقلت موهبتها الفنية من البسيط للمعقد، وانعكست في لوحاتها رائحة التربة ودروب - إغرمان - بأبراجها التي عمرت  في الزمن طويلا لتجسد  بذلك عظمة إنسان المغرب العميق  وصبره وعيشه  وقناعته بالبسيط بالواحات بين  جدران طينية ودروب مظلمة  ووسط قصور وقصبات عتيقة جمعت   - اللمة - منذ الأزمان  بجهة درعة تافيلالت.

فالمتتبع للوحات فاطمة الحمومي يدرك بأن عملية الإبداع بمختلف أشكالها وتقاسيمها وتجلياتها وتعابيرها تتحرك داخل ثقافة تتميز بتجاذب عجيب بين الرموز والأشكال والألوان برؤى زودت الفنانة بكثير من أدوات الممارسة، ومكنتها من الانخراط في الحراك الفكري والثقافي والتراثي للمنطقة  بالنبش في مقومات الهوية والخصوصية، والتفكير في القنوات الملائمة لنسج علاقات تفاعلية مع الجمهور في خضم تعميق الوعي الفني، حيث غامرت الفنانة في تجارب تستوجب التفكير في السبل الكفيلة لجعل التشكيل والفن أكثر تجذرا في فكر ساكنة  الجنوب الشرقي  باحترافية متقنة وبمتعة عالية للعين والنفس من خلال لوحات إبداعية يتضاعف فيها الاستحسان بالقضايا التراثية الأصيلة تجعل الواقف يصغر أمام حجم التساؤلات الوجودية والزمانية والمكانية التي يفرضها ثقل هذه اللوحات، بعمل فيه احترافية عالية وذوق عميق خلق انفعالات وسيولا من الأسئلة الفلسفية والجمالية .

ومن خلا مكونات لوحاتها ومن خلال المسح البصري المبسط العادي، الذي يمكن أن يقوم به أي شخص، فاللوحة  حسب الرؤية الإبداعية والرسالة  المشفرة، التي أرادتها الفنانة بكل جماليتها وحساسيتها، وبكل مرجعياتها التراثية والحضارية الممتدة هي نبش في الأصل والهوية وهي علاقة حميمية بين الأنا الحاضرة والأنا المهاجرة الراحلة عبر تخوم الوجود، والزمن، والإنسان، والفنان، والمتلقي، الكل في هذا الفضاء التشكيلي في حاجة إلى  إعادة البناء، ومن هنا تبدأ الرمزية الواسعة  الممتدة للوحاتها، فالفنانة من خلال تشكيلها هي الباحثة، الإنسانة، المبدعة التي أرادت أن تعيد ماض مضى لكنه لم يمض، من منظور باحثة مهووسة بالكون والزمن .

 رموز الفنانة فاطمة الحمومي  مرجعيتها  الذاكرة، الكون، العالم، الوجود، الحضارة، التراث و الزمن الهارب المنفلت المتشظي، و مشروعها رسمته عبر سلسلة من اللوحات، التي يسافر فيها  المرء عبر الزمن النفسي للبحث عن الهوية والانتماء، عبر الفن الاسترجاعي  من خلال منظومة فكرية ثقافية ضائعة عند الإنسان العادي وغير العادي، حيث يشعر قارئ اللوحة بأنه أمام تجربة تحاول فيها الفنانة أن تعلل الحنين الذي يلاحقها رغم تبدده، ومصدر ذاك الحنين ناجم عن فقدان المكان المألوف، حين تكون فيه  تنشأ بينه وبينك علاقة مختلفة، لكن عندما تشعر بأنك مجبر على ألا تكون فيه وأنت تحبه ويعنيك تنشأ بينك وبينه ترابطات هي نوع من الإخلاص له، ويبدو أن المكان المنشود لدى فاطمة الحمومي كان أكبر، وأوسع و أكثر إضاءة، ورحابة، وأكثر حميميةً، وقد اختارت لونا ترابيا  لهذا الترابط لأنه أصل الإنسان، وهو مادة أصيلة في معظم لوحاتها التعبيرية، صمتا وهدوء وموتا، فالفنانة ترسم لا من أجل الرسم، بل  رسم لوحاتها فيه استفزاز ودهشة واغتراب عجيب .
إن لوحات الفنانة فاطمة الحمومي  تُغْني الثقافة، وتعمق الحس الفني  ويشعر المرء بأنه  يحاول الإمساك بالزئبق من خلال قراءته لها، فحين يعود للوحة من أجل قراءة ثانية أو ثالثاتيا  يجد أن الكتابة بدورها لا تستطيع ترميم ما خرّبه النسيان، فيؤمن  آنذاك باستحالة التنظير والقراءة الكلِّية للتراث الإنساني، فالمقال هو  بداية محتشمة لمتخصصين يمكن ببحثهم إيفاء الفنانة  فاطمة الحمومي ما تستحق من عناية وتقدير، فعملها الفني يُمكننا من فهم الأنا  بكيفية أفضل  عبر الاسترجاع ،ونتمنى أن تتاح لنا فرص أخرى  في عمل آخر لجعل كتاباتنا جسراً للمعرفة بيننا  وبين الفنانة من جهة و بين الفنانة والقارئ من جهة أخرى.

وللوقوف اكثر عند تجربة الفنانة التشكيلية والأستاذة فاطمة الحمومي أنجزت كاميرا قناة جديد انفو حوارا صحفيا مصورا معها :

الصور من المعرض الذي نظمته الفنانة فاطمة الحمومي في الاحتفال الذي نظمته المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين بالرشيدية يوم الخميس 10 مارس 2016 بقاعة فلسطين احتفالا باليوم العالمي للمرأة .