محسن الأكرمين

قد نغرد خارج السرب كتابة، قد لا نحتمي بأكياس أمان تقينا من حوادث الفضح والتبيين، وحتى من أعراض تلقيح (كوفيد 19) الثانوية. لكنا قد نلتزم بأدبيات الكتابة، حين تحضر الذاكرة، وقد نجعل منها مفاتيح لفك طلاسيم الأبواب العاجية لما بعد التطعيم الجماعي. هي الكتابة التي لا نلقي على أحد بها ورود المدح ولا تنتنة التزيين، وقد لا نفسد على أحد متعته في قيادة القصبة /الحصان، ونحن نقول بفرح ماكر:(مبروك العــــــــود).

هي ذاكرة المواقف التي علمتنا طينة الرجال بالفرز والترميز الذهبي، هي الحكايات التي حدثتنا أن من نون النسوة تبدأ الحياة وتنتهي بالحمق. قد نتنطع كتابة غير ما مرة بالنقد والتعرية الفاضحة، لكنا نبقي الوفاء للقيم حضورا، نبقي اللفظ دالا ويحمل جذره اللغوي دون تأويل مفزع. 

من سر الكتابة ما بعد تطعيم جسمي باللقاح، أن الخط الذي أكتب عليه لا يحمل علامات التشوير بمنتهى (منعرج غائر)، أن هذا الخط جوانبه غير مؤهلة لسماع التصفيق والتهليل. من شظف الكتابة الحادث (ما بعد التلقيح) حين لم أستطع تحريك حروفي أمامي بالطواعية والتحكم، وتصبح من الرعية المحظية. إنها حروف أمتلكها بالنكرة والتعريف ولا تمييز بينها. أصاحبها، أتخاصم معها، أتجادل مع رموزها المكونة لفعل أمر (قف) و(صه).

غير ما مرة أطلق الكتابة وأتنحى جانبا، لكن في ليلة التطعيم الأولى جربت الكتابة خوفا عن ذاكرتي من المحو. الليلة أنظر إلى حروفي الماكرة بالذكاء العاطفي. أتنحى جانبا، وأنا أتابعها تنفض التحكم الذي أمارسه عليها عنوة من شدة الاحتراز. أتابعها حين أجدها ترقص على نغمات ثقافة كلمات نظيفة، وكلمات المغنية الشعبية خربوشة (الزيدية )ضد القايد عيسى بن عمر العبدي. ألاحظها أنها ماكرة في الذكاء الصناعي وتريد التحرر من مقاسات التباعد الاجتماعي، وعيش أيام من الحمق والدلالة الغبية حتى داخل حاسوبي الخاص. 

في كل صبح تسألني حروفي: هل نام تفكيري أم لا؟ حقيقة أكذب عليها، وأحمد الله بكرة وعشية من حكمة النوم والرقاد بالمنومات الاصطناعية، ومن تناولي لجرعة التلقيح ضد (كوفيد 19). تسألني: عن سر الغباء الذي يمكن أن أمارسه في حياتي الفردية والجماعية؟ حينها أجد نفسي مكتوفة أجنحة الجواب، ولا أقدر أن أنافق تلك الحروف المتنطعة نحو رمز الحرية الديمقراطية، وحب عيش الكرامة. فلم تكن أجوبتي عن الغباء غير الفطري، إلا بتشبيهه بسؤال الفلسفة الأولى : ما المعرفة؟ نعم الغباء والذكاء نعمة من الله مثل الصمت والكلام المباح بالمسؤولية، مثل الحمق النووي المفزع، مثل تسبيق حرف الميم في دلالة لغتنا الدارجة العالمة (سبق الميم ترتاح). 

اليوم لم أمتحن تفكيري لأجل صياغة دالة للغباء، لأنه الآن يمتلكني. وأحب أن أجاريه الليلة كي لا يفسد عني نومي المريح وأنا في أول نشوة ليلة من التطعيم ضد الوباء. اليوم أنادي كل الحروف لتصطف تحت يافطة فعل الأمر، مع تحميلها حروف الزيادة والتعدي بالقسوة. حينها وجدتها في تسلية مفرحة ولا تطيق رزانة القول، ولا التحديق الفاضح. بحثت عن حروفي اللازمة وغير المتعدية فوجدتها تعيش متعة حلم التجريب بين الغباء والذكاء و نشوة التطعيم المناعي الصناعي. الآن لم أحفل بدا من تدمير حروفي كافة برأس الممحاة، لم ألازمها بالرؤية والتمحيص بل تركت لها الفرصة لكي ترتاح من ضغط قلمي العلوي بتحريكها نحو النقد والتجريح، وبتت الليلة أتحسس من جسمي، هل تقبل التمنيع ضد وباء (كوفيد  19)؟.