مصطفى ملو

وسط هذه الجبال الشاهقة وبين قممها الإبرية الحادة، تتربع بيوتات ومآو سياحية طينية وأخرى من حجر متراص مسقفة بجذوع الأشجار والقش المغطى بالتراب، منازل بسيطة بساطة ساكنيها تخالها في البدء وأنت تهبط إليها من مرتفعات حادة صناديق نحل مصطفة لولا أن لونها مختلف، إنها قرية تاغيا ن أحنصال إحدى جواهر إقليم أزيلال السياحية.

تقع قرية تاغيا في الأطلس الكبير الأوسط بجهة بني ملال خنيفرة، حيث تتبع إداريا لإقليم أزيلال وتحديدا جماعة زاوية أحنصال التي لا تبعد عنها إلى الشرق سوى بعشرة كيلومترات.

تزخر تاغيا ن أحنصال بمؤهلات سياحية كثيرة، ما يجعلها نقطة جذب للعديد من السياح من داخل المغرب وخارجه، ففضلا عن كرم سكانها وطبيعتها الساحرة وخضرة حقولها الضيقة وبحيرتها الزرقاء المحاطة بأشجار وارفة الظلال، تنتصب جبال شامخة على رأسها قمة أوجظاظ الذي يبدو على شكل هرم و"زوجته" تاوجظاط المطلان على هذه البلدة الجبلية كأنهما حارسان أمينان على هذه القرية الغارقة في بحر من الهدوء والسكينة بعيدا عن ضجيج المدن وجلبتها، بل كأنهما والدان يعطفان على أبنائهم أشد ما يكون الحنان، ويحرصان على شملهم برعايتهما فيمنحانهم الحياة بعيون متفجرة عند قدميهما ماء زلالا دافقا ينفجر من بين صلب أوجظاظ وترائب حرمه تاوجظاط، إنها العيون المعروفة ب"إغبولا" التي ينبع منها وادي أحنصال.

تاغيا ن أحنصال إذن أيقونة سياحية حابها الله بجمال أخاذ وطبيعة عذراء ناضرة، لذلك ليس غريبا أن تكون ملاذا لعشاق المغامرة والتحدي الفارين من صخب المدينة وقبلة لأعداء الأماكن المزدحمة وضوضائها الباحثين عن الطمأنينة، وذلك لما توفره من إمكانيات سياحية هائلة، إذ إن أجرافها الشديدة الانحدار تمنح لمتسلقي الجبال المحترفين منهم وحتى المبتدئين فرصة تجريب قدراتهم على التباري والحفاظ على التوازن لبلوغ أعلى مستوى ممكن، كما أن خوانقها التي يمكن التوغل فيها لساعات تغري بالمغامرة وإجراء اختبار التحمل، أما من يأبى العيش بين الحفر ويهوى صعود الجبال، فهناك مسارات جبلية تقود إلى قمم يفوق علوها 3300 مترا وفي مقدمتها قمة تيمغازين والممر المعروف ب Tire  Bouchon نحو أيت بوكماز وقمة تكجيمت ن تيصاونت، غير أن زيارة "الممر الأمازيغي" الذي يصنفه الكثيرون كثالث أخطر ممر جبلي في العالم بعد ممر هواشان في الصين وممر الملك الصغير في إسبانيا، تبقى الركن الأول من أركان زيارة تاغيا ن أحنصال للراغبين في قهر الخوف والتخلص من فوبيا الأماكن المرتفعة.

رغم ما تفيض به تاغيا من مؤهلات سياحية متنوعة، إلا أنها مازالت تعاني من العديد من الصعوبات والمشاكل التي تحول بينها وبين تحقيق إقلاع تنموي تكون ركيزته الأولى هي السياحة، هذه المشاكل التي يعتبرها عبد الله نايت يوسف مرشد سياحي جبلي وصاحب مأوى سياحي بتاغيا أكبر عائق أمام السياحة بالمنطقة، يلخصها في غياب طريق معبدة من زاوية أحنصال نحوها، ما يحول دون وصول الكثير من السياح إليها خاصة من المسنين وغير القادرين على المشي لمسافات طويلة(حوالي 10 كيلومتر) ممن ألفوا التنقل بالسيارة، خاصة أن الزواية تعتبر أقرب نقطة من هذه القرية التي لا تصلها السيارات بعد.

ويضيف نايت يوسف أن من شأن إتمام هذا الطريق الذي يشارف على النهاية أن يعطي انطلاقة حقيقية للسياحة بقريته ويزيد من أعداد الوافدين عليها، مؤكدا في الوقت ذاته بأن غياب الطريق ليس هو المشكل الوحيد الذي يواجهه السياح والمنعشون السياحيون على حد سواء، بل إن ضعف تغطية الهاتف وغياب الأنترنت يعتبر هو الآخر مشكلا يقض مضجع المرشدين وأصحاب المآوي السياحية والساكنة والزوار الراغبين إما بالحجز المسبق أو الاتصال لأخذ معلومات أو النقل الحي والمباشر للحظات التي يقضونها هناك لأحبتهم ومعارفهم، والأهم تسهيل الاتصال مع الجهات المعنية في حالة وجود خطر أو مرض أو ما شابه.

ويواصل نايت يوسف حديثه عن مشاكل السياحة بتاغيا مشيرا إلى غياب سيارة للإسعاف في هذه المناطق الجبلية الوعرة حيث المخاطر محدقة بالمغامرين وانعدام مبادرات من الوزارة الوصية على القطاع للنهوض به، ويعطي مثالا عن ذلك علامات التشوير التي ترشد نحو أهم المواقع السياحية والقمم الجبلية بالمنطقة هي من إنجاز أبناء البلدة، بل إن الممر الأمازيغي لم يكن ليخرج إلى الوجود لولا تطوعهم ومخاطرتهم بحياتهم.