عبد الواحد الحسناوي (كاريكاتير : عبد الغني الدهدوه)

اهتز الشعب المغربي يوم الاثنين 8 فبراير المنصرم على فاجعة كبيرة ذهب ضحيتها 29 عاملا وعاملة، على إثر غمر فيضانات لقبو بفيلا مخصص لورشة سرية للخياطة بعد التساقطات المطرية التي عرفتها مدينة طنجة.

هذه الفاجعة وما ترتب عنها من مآس اجتماعية، تطرح أكثر من سؤال، ويتعلق الأمر بالمسؤوليات الفردية والجماعية للحادث.

فالمغرب، كما عودنا على ذلك، يعتبر من الدول الرائدة في العالم في تفكيك الخلايا الإرهابية، أو الخلايا النائمة وهي في مهد تشكلها، بفضل أجهزته الأمنية والاستخباراتية التي تستشرف جميع التوقعات لإحباط أي محاولة تمس بأمن الدولة، حيث توظف في هذا المجال العديد من المقاربات الاستباقية، كما تعتمد على أشخاص يزودونها بمعلومات دقيقة عن هذا وذاك، مما يؤكد نجاعة المنظومة الاستخباراتية بالمغرب.

هذا الأمر يطرح سؤالا غاية في الأهمية، حول سرية القبو الذي بادر المتورطون بوصفه بذلك الوصف الذي يعتبر محاولة منهم لستر المكشوف،

 وهل المغرب بأجهزته الأمنية الضابطة، يمكن ألا يعلم بكل صغيرة وكبيرة فيما يقع في البلاد، خصوصا إذا استحضرنا مؤهلاته الاستخباراتية المذكورة سلفا؟

إن الجواب عن هذا واضح جدا، ويقودنا إلى القول، بأن ما وقع كان سببه التواطؤ الكبير بين رب المعمل ورجال السلطة وأعوانهم الذين يعرفون كل صغيرة وكبيرة عما يقع في دائرة نفوذهم، ويغضون الطرف عن تصرفات هذا ويضربون بيد من حديد تصرفات ذاك، مما يجعل المغرب بعيدا كل البعد عن أي إصلاح دستوري يروم ربط المسؤولية بالمحاسبة .

الفاجعة كذلك تطرح سؤالا حول الأدوار التي تقوم بها وزارة الشغل والإدماج المهني وأجهزة التفتيش التابعة لها ومسؤولياتهم في ضبط ومراقبة الأحكام التشريعية والتنظيمية حول قانون الشغل وتمكين الأجراء من تكوين يؤهلهم لمعرفة حقوقهم وواجباتهم والنزاعات التي يمكن أن تترتب عن مزاولة الشغل. 

فالضحايا بالورشة غير مؤطرين دليل ذلك عملهم بالليل وربما عدم توفرهم على ما يثبت ارتباطهم بالمعمل من عقدة وتأمين وتسجيل في الضمن الاجتماعي، مما يقود للقول بكون هؤلاء هم ضحايا التعسف والجشع، وضحايا قطاع غير مهيكل نخر ولا زال يسري في ضرب اقتصادنا الوطني. 

الفاجعة كذلك تسائل الدولة والمنتخبين حول مآل الاسترتيجية الوطنية لتدبير المخاطر التي تعتمد على الرؤية الاستباقية قبل حدوث الكوارث بدل رؤيتها الحالية المعتمدة على رد الفعل، وما يتطلب ذلك من تأهيل للبنية التحتية ومحاربة البناء العشوائي واقتناء المعدات والآليات المتطورة للتصدي لجل الطوارئ كيفما كان نوعها ومصدرها، وتكوين رجال التدخل في مختلف المجالات في الوقت المناسب.

الفاجعة كذلك تسائل المواطن الذي يهب نفسه رخيصا وبكل بساطة ويرميها في أحضان الجشع، ليعبث بكرامته وإنسانيته أرباب العمل الذين يدوسون على الكرامة الإنسانية ويستغلون البشر أبشع استغلال، دون اكتراث بالقانون المنظم للشغل الذي يلزم المشغل باحترام مجموعة من الالتزامات تجاه العمال

هذه أسئلة وغيرها كثير، نستنتج من خلالها أن محاربة الفساد طريقه شاق والوصول إليه لا زال بعيدا في ظل التواطؤ على مصالح المواطنين البسطاء، وضرب كرامتهم، وفي ظل الاغتناء غير المشروع، وفي ظل سلطة تتمادى في تفقير الفقير وإغناء الغني، وفي ظل حكومة لا تعرف من الإصلاح غير الشعارات.