لحسن والطالب – الرشيدية / جديد انفو
( النقوش الصخرية والمعالم الجنائزية )
لم يحظ تاريخ المغرب خلال عصور ما قبل التدوين * باهتمام الباحثين والمؤرخين اذا ما تمت مقارنته ببقية العصور التاريخية رغم اهمية هذه المرحلة الحضارية وامتدادها الزمني ، فهي تمتد من ظهور الانسان على سطح الارض ( حوالي 3 مليون سنة حسب نتائج آخر الابحاث الاركيولوجيا) الى ان تم الاحتكاك بالفينيقيين حوالي القرن 12 ق.م مما جعل الغموض يلف جوانب مهمة من هذه المرحلة .
فاذا استثنينا الاسطغرافية الكولونيالية (الاستعمارية) رغم ما يؤخذ عليها من ملاحظات من قبيل الانطلاق من المركزية الاوربية واصدار احكام مسبقة تروم تبرير السيطرة الاستعمارية ، تبقى الابحاث والدراسات المغربية قليلة جدا ويغلب عليها طابع المجهود الفردي .
فقد فتح الباب على مصرعيه منذ احتلال الجزائر سنة 1830 امام البعثات العلمية الاستكشافية الفرنسية بهدف احتلال المغرب باقل التكاليف الممكنة(1) مما ادى الى عدم توفق رواد هذه البعثات في غالبيتهم من رسم صورة مكتملة للمغرب(2)، اذ لا نكاد نرى تاريخ المغرب الا من خلال مبادرات الغير لكونه منفعلا اكثر مما هو فاعل(3). فقد تحمل مسؤولية البحث التاريخي خلال عهد الحماية ثلة من غير المتخصصين من عسكريين وضباط في الشؤون الاهلية ، مما ادى - رغم اهمية المعلومات التي اختزنتها أبحاثهم – الى ارتكاب اخطاء منهجية والسرعة في اطلاق احكام جاهزة لا يكفي النقد المجرد لإبدالها بتاريخ ايجابي موضوعي(4).
ورغم ما يكتنف هذه الكتابات التاريخية من نواقص ، الا ان المهتم بتاريخ المغرب ، خاصة مرحلة ما قبل التدوين لا يجد بدا من الاعتماد عليها بسبب كثرة مجالات اهتمامها واهمية المعلومات والمعطيات التي تضمنتها . ففي مجال النقوش الصخرية برزت دراسة G.Flamand كما لا تقل دراسات كل من Georges Souvilleو Ruhlmann Armand اهمية لدارسي المعالم الجنائزية بالمغرب خلال نفس الفترة. اما دراسة انسان المغرب خلال مرحلة ما قبل التدوين فقد برزت كتابات Gabriel Camps.
و لعل ما يزيد من اهمية هذه الاسطغرافية ، ضياع الكثير من اللقى التي عثر عليها بعض هؤلاء الباحثين اثناء عملية التنقيب في مختلف الاماكن التي اشتغلوا عليها مما صعب من مهام الباحثين المغاربة خصوصا ان الدارس المشتغل بحقبة ما قبل التدوين ملزم بان يعرف كيف يستخلص من الحفريات اكبر قدر من المعلومات (5)، لاعتبارها اهم مصدر يمكن بواسطته اكتشاف الحضارات القديمة(6) ، وتجاوز الطابع الافتراضي لأغلب الدراسات التي تناولت هذه الحقبة من تاريخ افريقيا الشمالية(7). فقد لخص المؤرخ شارل اندري جوليان التحديات التي تواجه دراسي تاريخ افريقيا الشمالية خلال مرحلة ما قبل التدوين في تحديين : الاول يتمثل في ضرورة العمل على التوفيق بين المعطيات المتناثرة التي تمدنا بها الجيولوجيا وعلم الحفريات القديمة (البليونتولوجية) وعلم وصف الانسان (الاتنروبولوجيا) ، وعلم الآثار ... والثاني فيتمثل في الربط بين النتائج التي انتهى اليها وبين ما وصل اليه علم ما قبل التاريخ من معلومات بالنسبة لأوروبا وافريقيا والشرق المتوسطي (8) ،والاستعانة بالتقدم التقني والعلمي الكبير (النشاط الاشعاعي للكاربون 14لتحديد عمر حفريات الانسان ،النشاط الاشعاعي لنظائر الاورانيوم وتوظيف تقنيات المعلوميات ...) والاشتغال كفرق جماعية للبحث العلمي .
*مصطلح يدل على مرحلة ما قبل اختراع الكتابة، وفد استعمل في هذه الورقة للدلالة على مرحلة ما قبل التاريخ لان التاريخ البشري يبدا عمليا منذ ان وجد الانسان على اديم هذه الارض.
(1)- مزيان محمد : المغرب في الادبيات الكولونيا لية الفرنسية ومشروعية الغزو والالحاق .مجلة عمران العدد17/5 صيف 2016 ص 107
(2) – نفسه . ص 128 .
(3)- العروي عبد الله : مجمل تاريخ المغرب. مطبعة المعارف الجديدة. الرباط. 1984. ص31-32.
(4) – المازوني محمد : الكتابات التاريخية الكولونيالية بين اطروحة الرفض والاستغلال المنهجي. مجلة المناهل. العدد 87 يناير 2010 ص: 48.
(5)-Gabriel. Camps : Massinissa , Art et métier graphiques , 1960, P 3
(6)- لخصاضي مصطفى : تدريس التاريخ والجغرافيا (حقل التاريخ ) مطبعة افريقيا الشرق 2012 ص 99.
(7)- نفسه ، ص99
(8) اندري جوليان شارل : تاريخ افريقيا الشمالية : تونس ، الجزائر ،المغرب الاقصى من البدئ الى الفتح الاسلامي تعريب محمد مزالي / البشير سلامة . مؤسسة تاوالت الثقافية 2011ص29
لقد اتفق المؤرخون والباحثون في الشأن الانساني على تقسيم الماضي البشري -عصور ما قبل التدوين (التاريخ) - الممتد منذ ظهور الانسان على سطح الارض حتى اختراعه للكتابة (حوالي 3000 سنة ق.م) على اساس الادوات والمواد الرئيسية التي استخدمت في صناعات ادواته ، فقسمت هذه الحقبة على هذا الاساس الى ثلاثة عصور رئيسية كما هو الحال لمرحلة ما قبل التدوين في المغرب : العصر الحجري الادنى ، الاوسط والاعلى ثم العصر الحجري الوسيط والحديث ، وسميت الحضارات التي انبثقت عن كل عصر باعتماد نوعية الادوات الحجرية التي صنعها انسان هذه العصور والتي تعد حضارة الحصى اقدمها (galet)، اذ يتجاوز عمرها ما بين مليون و مليون ونصف سنة وثم اكتشاف مخلفاتها بهضبة سلا ، ثم الحضارة الاشولية ما بين مليون و 100الف سنة ( عثر على بقاياها بمقالع طوما بالدار البيضاء...)، فالموستيرية (ادوات الشظايا وعثر عليها بمغارة هرهورة قرب مدينة تمارة ) ويعود تاريخها ما بين 100الف و 40 الف سنة والحضارة الابيروموروزية (Ibéromaurusien ادوات على الشفرات)(9) ما بين 20000الف و8000 سنة ثم اخيرا حضارة العصر الحجري الحديث (حجر مصقول وادوات فخارية ) وعثر على بعض بقاياها في منطقة غار الاكحل وعمرها اقل من 8000 سنة ثم عصر المعادن.
وتجدر الاشارة ان جل الدراسات التي تناولت تاريخ المغرب خلال هذه العصور، تميزت في معظمها بشموليتها من حيث موضوع البحث واتساع المجال الجغرافي الذي اهتمت به اضافة الى غياب التخصص في تناول تلك المواضيع مما جعل الغموض يكتنف بعض المواقع التاريخية المنتشرة عبر التراب الوطني ، كما هو الشأن بالنسبة لموقع الطاوز الاثري، الذي يتميز بوجود نقوش صخرية متنوعة اضافة الى معالم جنائزية تنم عن وجود حضارة عريقة ما تزال تنتظر الكشف عن العديد من خباياها ، مما سيساهم في تنمية المنطقة عبر تنويع العرض السياحي الذي تتميز به .
فاذا استثنينا ما نشر حول هذا الموقع من قبل الباحثة Jaques Meunier وCharles Alain في مجلة HESPERIS(10) و المجهود الذي قام ويقوم بها الدكتور والباحث يوسف بوكبوط من خلال رسالته الجامعية لنيل الدكتوراه (11) اضافة الى ما ورد في برنامج امودو"(12)، يبقى الاهتمام بموقع الطاوز ضعيفا جدا اذ لا يأتي الحديث عنه الا في اطار مقارنة معالمه الاثرية ببقية المواقع الاخرى كما هو الشأن عند Gabriel Camps(13).
ان اهتمامنا بهذا الموضوع من خلال هذه الورقة لا يأتي لسد النقص الحاصل في الدراسة التي تناولت موقع الطاوز بقدر ما ياتي لاثارة الموضوع واخراجه من النسيان من خلال طرحه للتداول من جديد ، بهدف تنمية وعي محلي يسهم في الحفاظ على هذا الموروث الحضاري وادماجه في مؤهلات المنطقة المتنوعة والحيلولة دون تدميره ، والحد من السرقات التي يتعرض لها من قبل محترفي سرقة الآثار وبعض المتهورين (14) وكذا للإسهام في الاهتمام بالتاريخ المحلي (المونوغرافيا)، ايمانا منا بان البحث العلمي الدقيق لهذا الموقع يستدعي الاشتغال في اطار فرق علمية مؤهلة ومختصة وليس عبر مجهود فردي تبقى نتائجه متواضعة مهما بذل من جهد لتحقيقها.
ولبلوغ هذا الهدف تم تقسيم مواد هذه الورقة الى ثلاثة محاور اساسية ، اذ حاول المحور الاول تحديد مجال انتشار هذه المآثر التاريخية وتقسيمها الى نقوش صخرية ومعالم جنائزية . اما المحور الثاني فقد حاول الاجابة عن ما هو صاحب هذه المخلفات الاثرية ؟ اي الانسان الذي كان وراء انتاجها .
يقع الموقع الاثري موضوع هذه الورقة في الجهة الغربية والغربية الشمالية لقرية الطاوز ، ويتضمن اربعة مواقع اثرية تتميز بكونها تقع على جبال متفاوتة في ارتفاعها الضعيف ، منها : موقع جبل واوفيلال، والى جنوب غربه قبالة جبل تداوت الموقع الثاني على شكل تلة معزولة، ثم الموقع الثالث عند مقدمة جبل تداوت في اتجاه الجنوب الشرقي ثم الموقع الاخير عند سفح الشمالي لجبل كفيرون. وتتميز هذه المواقع بإشرافها المباشر على مجرى وادي زيز باعتبار اهمية المجاري المائية والانهار في نشوء الحضارات كما توصل الى ذلك أرنولد توينبي في اشارة الى نشوء حضارة بلاد الرافدين وحضارة مصر القديمة وغيرهما . فقد دأبت المجموعات البشرية على الاستقرار بجوار بحيرات الماء العذب الضحلة في الصحراء الكبرى التي كانت اوفر ماء منذ 100الف سنة (15) ، اضافة الى الاستقرار على مقربة من الوديان والعيون ، وذلك منذ العصر الحجري القديم الاعلى (ما بين 10000 و 5000سنة ق.م).(16)
(9) – لخصاضي مصطفى : مرجع سابق . ًص :104
(10)- Jaques Meunié et Charles Allain : Quelques gravures et monuments funéraires de l’extrême sud-est marocain .Hespéris. 1 et 2 trimestre .1956
(11)-Bokbot Youssef : Habitat et monuments funéraires du Maroc protohistorique. Thèse de doctorat .Université de Provence .AIX –Marsseille 1991 et Tumulus protohestoriques du pré Sahara Marocain :Indices de minorité religieuses ?Tunisie 08-13 Mai 2000.
(12)- برنامج "امودو" تافيلالت بين الامس واليوم . قناة الافلام الوثائقية . 24/10/2014.
(13)- Camps Gabriel : Sur trois types peu connus de monuments funéraires nord-africains (note de protohistoire ) In . Bulletin de la societe préhistorique de France .Tome 56 né 1et 2 1959 .
(14)- كما حصل لنقوش منطقة ميفيس التي تم ازالتها بعد الشروع في استغلال مناجم المعادن بها ، حيث اكد بعض المهندسين المشرفين على استغلال مناجم الرصاص وجودها في هذا الموقع قبل البدئ في استغلاله. حسب ما اكده M .Kegreith
ويرجع الفضل في دراسة هذه المواقع الاثرية واخراجها من طي النسيان كما سبقت الاشارة الى ذلك الى كل من الباحثة Jaques Meunier وCharles Alain سنة 1955استجابة لدعوة تلقوها من احد العسكريين الفرنسيين بثكنة الطاوز (M .H. Terrasse) للمجيئ قصد زيارة مواقع تتميز بوجود مبان من الحجارة ونقوش صخرية ، سبق ان اشار اليها الدكتور Desnot الطبيب الرئيسي بمستشفى ارفود (1954). (17) وتجدر الاشارة الى ان هناك اشارة قبل هذا التاريخ الى هذه المواقع الاثرية اي منذ الشروع في بناء ثكنة الطاوز العسكرية سنة 1932بحيث يعود الفضل في اكتشاف الموقع الاثري لواوفيلال الى الكولونيل Le Pivain الذي تمكن من اخذ صور فوتوغرافية لبعض النقوش فيه والتي اعاد نشرها البروفيسور : Th.Monod في دراسته" مساهمة في دراسة الصحراء الغربية" سنة 1938اضافة الى ما نشره A. Ruhlmann بعد زيارته للموقع في دراسته بعنوان "ابحاث ما قبل التاريخ في اقصى الجنوب المغربي". سنة 1939.
1- النقوش الصخرية:
يتفق الباحثون على ان مجال النقوش الصخرية في شمال افريقيا عموما مازال بكرا بسبب كثرة المواقع غير المكتشفة ، وعدم استفادة المواقع المعروفة من نصيبها من البحث الدقيق والمعمق ، في الوقت الذي تعبر فيه هذه النقوش عن الابداعات الفنية للإنسان باعتبارها وسيلته الجديدة في التعبير وشهادات حية عن محيطه البيئي ومعيشه اليومي ، مما يجعل منها دليلا على وجود الانسان منذ آلاف السنين في مناطق تواجدها ، فشكلت بذلك وثائق صخرية ينبغي لدارس حضارة ما قبل التدوين اعتمادها في ظل غياب الوثائق المكتوبة.
وقد ارتبط هذا الفن الصخري (النقوش الصخرية ) بإنسان عصور ما قبل التدوين اذ ظهرت البوادر الفنية الاولى له بنقشه على الحجر بل ويصور على جدران المغارات والكهوف حيوانات بأسلوب جريء ترتسم على بعض ملامحه طرائق الفن الحديث. (18) ويسمي الاهالي في افريقيا الشمالية هذه المنقوشات "بالحجرات المنقوشة"(19) التي شكلت مادة محورية للبحث لدى مجموعة من المهتمين نخص بالذكر منهم: G .Flamand الذي تبين ومنذ ظهور دراساته وجود ثلاثة انواع من النقوش ، ينفرد النوع الاول منها بخطوط عريضة ، عميقة ومنتظمة كأنها حفرت بحجر الصوان* ، سميت بفن تازينا نسبة الى موقع تازينا جنوب وهران الجزائرية .(20) اما النوع الثاني فهي تلك النقوش الملونة التي تتخذ من المغارات والكهوف موقعا لها ، في حين يتميز النوع الاخير بصغر حجمه مقارنة بالنوعين السابقين وتتخذ في النقوش شكلا منقطا فيها جمال كبير، غالبا ما تكون مرفقة بخطوط لبيبيه بربرية ( تيفيناغ) (21)لا حروف اللغة الحميرية كما ذهب الى ذلك بعض الباحثين.(22)
تندرج نقوش منطقة الطاوز الاثرية ضمن هذا النوع الاخير من هذه النقوش (نقوش الحيوانات) في حين تتشكل النقوش المتواجدة بموقع جبل واوفيلال والمحاط بسور من الحجارة يجعل منه حصنا منيعا قد يكون عسكريا يصعب تحديد تاريخ له (23) اساسا من العربات التي سبق الاشارة اليها من قبل A. Ruhlmann(24) وتنتشر هذه الرسوم على طول منحدر هذا الجبل في اتجاه الجنوب الشرقي ، وقد تعرض معظمها للتلف والضياع بسبب تعدد العوامل التي فعلت فعلها، تمثلت في العوامل المناخية وما يرتبط بها من تعرية ميكانيكية ، اضافة الى عبث الانسان. (25)
*الصوان: نوع من الحجر اتخذه انسان ما قبل التدوين خلال مرحلة من مراحل تطوره الحضاري مادة اساسية لصناعة الكثير من ادواته لخصائصه المميزة من حيث الصلابة والتشظي...
(15)- لخصاضي مصطفى : مرجع سابق . ًص :101
(16)- اندري جوليان شارل : مرجع سابق. ص 43
(17) )- Jaques Meunié et Charles Allain ,op Cité ,p51.
(18)- عبد العزيز بن عبد الله : تاريخ المغرب العصر القديم والوسيط. مكبة السلام الدار البيضاء . مكتبة المعرف الرباط ص14
(19) – Flamand .G : Les pierres écrites du nord de l’Afrique .Congrès intern. Anthrop .Arched . Prehis XII .Paris 1900 .
(20)- – Flamand .G : Les pierres écrites (Hajrat maktouba) du sud oranais .In compte rendu des séancesde l’Académie de l’inscription et belles-lettres. Ne 14 .P 438.
(21) - اندري جوليان شارل : مرجع سابق. ص 47.
(22)- عبد العزيز بن عبد الله : مرجع سابق ص: 17
(2 3)- A.Ruhlman : Les recherches de la préhistoire dans l éxtrème sud marocain .( pub.du service des antiques du Maroc . Fax 5 .Gauthner 1939.P :88
(24)- Jaques Meunié et Charles Allain ,op Cité ,p55.
(25)- Jaques Meunié et Charles Allain ,op Cité ,p56
لقد اوردت كل من Jaques Meunier وCharles Alain مجموعة من الملاحظات حول نقوش جبل واو فيلال ، بينت اختلاف هذه العربات من حيث عدد قضبان الجر (عربات ذات قضيب واحد واخرى ذات قضيبين للجر) و حسب عدد الدواب المخصصة للجر ، كما تتميز اطارتها بوجود نوعين مميزين : مربع ودائري مثبتين على عجلتين موصلتين بمحور ،وغالبا ما تشكل هذه العربات قاطرة . والواقع ان انتشار هذا النوع من العربات لا يقتصر فقط على جبل واوفيلال بل يتعداه الى الموقعين السالف ذكرهما ، خصوصا الموقع الثاني (تلة جبلية قبالة جبل تداوت ) حيث توجد نقوشا للعربات اكثر وضوحا وبأحجام كبيرة.(26)
يشكل ظهور العربة في منطقة الطاوز كما تعبر عن ذلك النقوش المتواجدة بكثرة في المواقع المبينة سابقا ، حدثا تاريخيا مهما ويعبر عن مدى التطور الحضاري والتقني لإنسان تلك المرحلة رغم خلو تلك النقوش من حيوانات الجر . فقد اورد غابرييل كامبس (Camps Gabriel) ان العربات الصحراوية اكثر ما تكون بحصانيين ولكن في فزان توجد نقوش نادرة تظهر عليها عربات لاربعة خيول (27) و في كل من الاطلس الصحراوي والتاسيلي ، وهي شبيهة بما هو متواجد بموقع الطاوز.
لقد ساهمت العجلة منذ اكتشافها في بلاد الرافدين (حوالي 3000 ق.م) في تسهيل وسرعة تنقل الانسان ، فانتشر استخدامها عند المصريين القدامى (1500ق.م) خاصة صناعة العربات المعدة للحرب التي اشتهروا بها ، مما يجعل فرضية انتقال تقنية صناعة هذه العربات الى منطقة الطاوز امرا واردا ، اي ان صناعة عربات الجر هي صناعة وافدة وليست بمحلية في ظل غياب دراسة معمقة لتلك النقوش. رغم ان الطريقة الصحراوية في شد الخيول الى العربة تختلف عن الطريقتين المصرية والاغريقية كما فصل في ذلك J.Spruytte.
ومن جانب آخر تميز هذا الموقع بوجود نقوش صخرية تتخذ رسومها اشكالا نقطية لحيوانات اليفة في المنطقة المتواجدة الى الجنوب الغربي من جبل تداوت ، وهي اقدم من الناحية التاريخية من نقوش العربات (28)، ويمكن التمييز فيها بين ثلاثة انواع رئيسية هي في معظمها لحيوانات ابدع صاحبها في رسمها ، فمثل الوان تلك الحيوانات والعشب الذي تتغذى منه من خلال تضييق او توسيع المساحات بين النقط المشكلة للرسم (29). ويلاحظ ان هذه الحيوانات التي تم نقش صور لها هي من صنف البقريات غالبا ما تسمى بوحيش السودان (30) واكثر الحيوانات الممثلة هو الجاموس القديم صاحب القرنين الطويلين (31) اضافة الى نقوش للظباء بقرون طويلة ونقش لحيوان بعنق طويل يصعب تحديد هويته، و يعتبر تواجدها في بيئة الانسان الذي رسمها عن سيادة مناخ حار ورطب الذي استمر الى العصر الحجري القديم الاعلى على الاقل (32) الذي يمتد ما بين 10000 و 5000 سنة ق.م ليبدا المناخ بعد ذلك بالتحول الى الجفاف الى ان وصل الى ما هو عليه الآن (33).
يصعب تحديد تاريخ دقيق لتلك النقوش بسبب غياب دراسة دقيقة ومعمقة لها وغلبة طابع المقارنة والتعميم لدى بعض المهتمين الاخرين اضافة الى كون رسوم الحيوانات المنتشرة في بلاد الامازيغ عموما لا تسمح للباحث للوصول الى استنتاجات مدققة لان الوحيش في المغرب لم يطرا عليه نسبيا الا تغيرات طفيفة (34)، مما حدا بالبعض الى اعتبارها لا تعود الى تاريخ موغل في القدم (35).
2- المعالم الجنائزية:
شكل الموت حيزا مهما من اهتمامات الانسان منذ القدم ، فحاول ايجاد تفسير له ولما لم يستطع اقنع نفسه بان الموت ليس نهاية وانما لحظة انتقالية من مرحلة الى اخرى أذ يتعلق الموت بالجسد فقط بينما الروح تبقى حية بأشكال اخرى مختلفة(36). لدا جاء الاعتقاد بضرورة التعامل مع الجسد باحترام كبير حتى ترتاح روحه وتتابع رحلتها بسلام ، من خلال مجموعة من الطقوس ، تختلف باختلاف الحضارات والمعتقدات والديانات . ويعتقد ان انسان النيوندرتال هو اول من دفن موتاه قبل حوالي 100الف سنة في قبور جماعية او فردية بسيطة سطحية او محفورة في الارض ، ويدفن مع الميت بعض المرفقات الجنائزية كالحلي ، مما جعل الاعتقاد يسود انه من بحياة اخرى بعد الموت او بخلود الروح.(37)
(26)- Jaques Meunié et Charles Allain ,op Cité ,p 67.
(27) -كامب غابرييل، البربر ذاكرة وهوية ، ترجمة عبد الرحيم حزل . مطبعة افريقيا الشرق 2014.ص100
(28 Jaques Meunié et Charles Allain ; Ibid. P 61.
(29)- Jaques Meunié et Charles Allain ; Ibid. , 57
(30-Perret. Robert : Une carte des gravures rupestres et des peintures à l’ocre de l’Afrique du nord : P: 107 - 108
(31 Jaques Meunié et Charles Allain ; Ibid P 57.
‘(32)اندري جوليان شارل : مرجع سابق. ص 33
(33) -Perret. Robert Ibid. P: 107 - 108
-(34)اندري جوليان شارل : مرجع سابق. 34
تنتشر في المغرب العديد من المقابر التي تعود الى ازمنة تاريخية بعيدة وتتخذ اشكالا مختلفة كالدلمنات والنواويس المكعبة والتيميلوس وغيرها . وقد قسم Georges Souville انواع التيميلوس الموجودة بالمغرب الى خمسة انواع رئيسية ، منها الشكل البسيط وهو عبارة عن كومة من الحجارة ثم تيميلوس من نوع خاص بمنطقة سيدي علال البحرواوي ثم نوع الصناديق بمنطقة للا ميمونة ثم نوع خاص بمنطقة سيدي سليمان ، فشكل منطقة ارفود الذي عبارة عن كومة من الحجارة فوق خندق ثم تيميلوس فم لارجام بجبل بن سلمان ، واخير تيميلوس منطقة الطاوز اي تيميلوس المصلى(38) وهو موضوع هذه الورقة.
يبلغ عدد المدافن على شاكلة التميلوس ذات المصلى (الجثوات) الموجودة بهذه المنطقة (الطاوز)عشرة مدافن تختلف من حيث حجمها ومن حيث مقاومتها لتقلبات الزمن والتاثيرات البشرية والطبيعية . فقد تعرضت اغلبها للتلف والتخريب ، الا واحد فقد ظل على حالته الاولى اذا استثني الخندق المحفور في الواجهة المعاكسة لمدخله بسبب الحفريات التي قامت بها كل من Jaques Meunier و Charles Alain(39). و يتخذ هذا المدفن شكلا دائريا محاطا بدائرة من الحجارة له باب مفتوح في اتجاه الشرق ، ومقسم الى جزئين رئيسين : الجزء الاول يتشكل من المدفن وهو معزول عن المدخل ، والجزء الثاني مغطى بصخور كبيرة ويوجد مباشرة بعد المدخل ويقسم الى مجموعة من الغرف تخصص لطقوس الجنازة. وترتبط به منشاة صغيرة عبارة عن مصلى. ويشبه تيميلوس الطاوز في خصائصه مدافن التيميلوس السورية (40) التي يعود تاريخها الى العصر الحجري الحديث .
لقد تمكنت كل من Jaques Meunier و Charles Alainمن خلال الحفريات التي قاما بها داخل احد هذه المدافن (التيميلوس)من استخراج بعض اللقى (يجهل مصيرها) عبارة عن مرفقات جنائزية دفنت مع الميت كما جرت العادة منذ ان بدا انسان النيوندرتال بدفن موتاه، وهي عبارة عن ادوات للزينة منها حلقة مفتوحة تشبه خاتم من معدن البرونز ، ورقتان مطويتان واحدة منها تحتوي على قطعة من الخشب ، قطع صغيرة من الصدف ، قطعة معدنية صغيرة تشبه ظفر الانسان ، لؤلؤة مثقوبة من الزجاج الازرق، اسلاك معدنية ربما لربط القلادة اضافة الى ستين قرصا من قشور بيض النعام وجدت عالقة في الارض على شكل قلادة و قطعا من المغرة الحمراء⃰⃰ (41) تفسر اعتقاد اصحاب هذه المقابر بحياة اخرى بعد الموت وان هذه المغرة من شانها تزويد الميت بالدم ليحيى هذه الحياة كما يشير الى ذلك Gabriel Camps . فقد داب الانسان العاقل منذ العصور الغابرة على طلاء عظام موتاه بها.
يذهب بعض الباحثين الى ارجاء هذا النوع من المدافن (التيميلوس ذات المصلى ) الى تأثير الثقافة اليونانية والمسيحية (42) بل ومن غير المستبعد ان يكون مشيدو هذه الجثوات من اتباع الدين المسيحي(43) ،في حين تشير بعض الابحاث التي اجريت على بعض المواقع الاثرية المشابهة في سوريا الى هذا النوع من المنشآت الجنائزية يعود الى العصر الحجري الحديث (44) و استمر الى العصور اللاحقة ،اذ يستخلص من بعض الدراسات الى ان الامبراطور الروماني اغسطس بنى مدفنه على شكل التيميلوس بقطر 87 م وفوق تلة من التراب المغروس بالاشجار وبارتفاع 44م .وبالرغم من العلاقات المؤكدة بين شرق المتوسط و المناطق الشرقية من بلاد الامازيغ منذ العصر الحجري الحديث يبقى هذا التاثير ضعيفا مقابل حضور افريقي واضح(45)ولا يستبعد ان تكون هذه المعالم قديمة و ذات اصول افريقية(46) تنتشر في المناطق الجافة وشبه الجافة. وامام هذا التضارب في الآراء حول اصول هذا النوع من المدافن يمكن الميل الى القول بانها تشكل شكلا بسيطا من الاهرامات الخاصة بالدفن ، وتعكس المستوى الاقل تحضرا وتقدما لأصحابها مقارنة بمثيلتها المصرية او السودانية في ظل تشابهها بمثيلتها الموريتانية . وغياب اي دليل مادي من خلال اللقى التي عثر عليها يشير الى اعتناق مشيديها لأية ديانة سماوية .
⃰ مادة حمراء اللون كانوا يحصلون عيها من الطين الاحمر اوبقايا اكسيد الحديد(تسمى عند اهالي منطقة الطاوز بوغمي) فكان صبغ العظام بها من الطقوس الشائعة عند سكان المغرب القديم التي مارسوها طيلة فترة الحضارتين القفصية والوهرانية.
(37)- عميري ابراهيم ، سوزان ربه : المدافن والطقوس الجنائزية في العصور الكلاسيكية في ريف دمشق. منشورات الديرية العامة للأثار والمتاحف . وزارة الثقافة . دمشق 2012 ًص:23
(38) – Souville Georges : Principaux types de tumulus marocain .In :Bulletin de la société préhistorique de France .Tome56 ;ne 7-8.1959 p :401.
(39)- Jaques Meunié et Charles Allain op Cité ,p75.
(40) - عميري ابراهيم ، سوزان ربه: مرجع سابق. ص 25.
(41)- Jaques Meunié et Charles Allain op Cité ,p75.
(-42) BOKBOT youssef : Tumulus protohistoriques du présahara marocain : Actes du IIIème Colloque International sur l’Histoire et l’Archéologie de
l'Afrique du Nord. Tabarka. Tunisie 8-13 Mai 2000. Edition de l’Institut National du Patrimoine - Tunis. pp. 35-45. (نسخة رقمية)
(43) BOKBOT youssef : ; Ibid.
(44) - عميري ابراهيم ، سوزان ربه: مرجع سابق. ص 32.
(45) -كامب غابرييل، البربر ذاكرة وهوية ، ترجمة عبد الرحيم حزل . مطبعة افريقيا الشرق 2014.ص17
الى جانب هذه المدافن (التيميلوس) توجد مدافن أخرى في الواجهة المقابلة لنقوش الحيوانات في اتجاه الجنوب الشرقي عند قدم جبل كفيرون تختلف في شكلها عن الاولى ، اذ هي عبارة عن اكوام من الحجارة تعرف بالمدافن الرجمية ، و تنتشرعلى مساحة واسعة يفوق عددها سبعة مدافن تختلف من حيث حجمها اكبرها يفوق علوها ثلاثة امطار ومحيطها 14م تشبه الى حد بعيد ارجام فم لارجام بجبل بن سلمان . وتجدر الاشارة الى غياب اي معلومات حولها من قبل الباحثين Jaques Meunier و Charles Alain كما يجهل حسب علمنا قيام اي جهة معينة بابحاث اركيولوجية في هذا الموقع، ولا يستبعد ان تكون اكثر قدما من مدافن التيميلوس .وهي في حالة سيئة بسب تعرضها للنبش من جهة ونقل احجارها للاستفادة منها في البناء وهو ما يبدو جليا من خلال زيارة الموقع قبيل نشر هذه الورقة حيث اثر العربات المستعمل في نقلها جلية بمحاذاتها . ان الابحاث التي اجريت في مواقع مشابهة لهذه المدافن تشير الى وجود قبر او عدة قبور داخل كل رجم مغطى بالحجارة حماية له من النبش من قبل الحيوانات ،غالبا ما تكون له فتحتين واحدة نحو الاعلى والثانية في اتجاه الشرق ،. ولعل اهتمام الباحثين بهذه المواقع من شانه اماطة اللثام عن مجموعة من الحقائق واللقى الاثرية التي قد تساهم في ازالة العتمة عن جوانب كثيرة من تاريخ المنطقة القديم عامة والمغربي خاصة، ورفع اللبس عن طبيعتها وتبيان اهميتها الحضارية لسكان المنطقة مما سيساهم في مشاركتهم الاكيدة في حمايتها.
3- الانسان:
يستخلص من نتائج الابحاث الاركيولوجية والحفريات التي اجريت منذ بداية القرن الماضي في مجموعة من المواقع الاثرية عبر التراب المغربي وجود مجموعة من المخلفات والبقايا التي تركها انسان هذا المجال، منها ادواته الحجرية التي استعملها – كما سبقت الاشارة- في معيشه اليومي او بعض بقاياه العظمية ، مما سهل على الباحثين تكوين تصور حول نوع الجنس البشري الذي عمر هذه الارض.
لقد اثبتت الابحاث التي انجزت على مستوى جبل ايغود(60كلم شمال مراكش) وجود اقدم بقايا بشرية للانسان العاقل) (Homo-Sapiensعثر عليها الى الآن وهي عبارة عن جمجمة بشرية يفوق عمرها 300الف سنة مما يستنتج ان بلاد المغرب شهدت استيطانا بشريا منذ آلاف السنين، تعرض خلالها الانسان لتطورات مختلفة عبر عصور ما قبل التدوين، تستخلص من التغير الحاصل في طريقة صنع ادواته منذ العصر الحجري الاسفل (بين 1م و 500الف سنة ) وهو انسان الاطلس الذي ينتمي الى سلالة الانسان منتصب القامة(47)ُ، ثم واصل انسان المغرب تطوره الحضاري خلال العصر الحجري القديم والاوسط (100الف – 35الف) والمعروف بالإنسان العاتري⃰ (48) الذي اتبث وجوده في المنطقة الممتدة من غرب مصر حتى ساحل المحيط الاطلسي وسكن مواقعه المفضلة قرب مصادر المياه(49) وخلف حضارات سميت بالحضارة الوهرانية ⃰ والقفصية ⃰ حيث كانت لها تطورات لاحقة امتدت الى العصر الحجري الحديث اوشكلت تمهيدا له (50). تمثلت في ظهور انسان مشتى العربي ((Homo-Sapiens منذ 18000سنة ، والذي اهتدى الى طريقة طلاء عظام الجثث بالمغرة وتجهيز قبور موتاهم بالاثاث الجنائزي ، وافتتحت معه البشرية مسيرة الفنون و...النقش(51) ، و لا يستبعد ان يكون السلالة الاولى التي استوطنت المغرب منذ انسان المتوسط ، ويسميه البعض بأصيل افريقيا(52) الذي لم يكن يختلف تشريحيا عن سكان الشمال الافريقي في الوقت الحاضر(53)، الا انه لا يدخل في اسلاف البربر( الامازيغ)(54). ومهما يكن من امر فان المغرب القديم وبحكم موقعه الجغرافي فقد كان محطة استقرار لمجموعات بشرية مختلفة رغم وجود حواجز طبيعية تفصل شماله بجنوبه وشرقه بغربه تتمثل في السلاسل الجبلية التي تتخللها غابات كثيفة يصعب عبورها بفعل كثرة الوحوش المفترسة التي تعيش داخلها في ذلك العصر.
(46)-Gabriel. Camps : op , cité P 106.
(47) –المغربي بودوارة الصديق ، الاصول الاولى لسكان المغرب القديم ... بين روايات ابن خلدون وحقائق ما قبل التاريخ ، المجلة العلمية للدراسات التاريخية والحضارية ، كلية التاريخ والحضارة ، جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الاسلامية ص 18.
(48) – نفسه ، ص 19.
(49) – نفسه ، ص 19.
(50) – نفسه ،ص 20.
⃰الحضارة القفصية: نسبة الى مدينة قفصة التونسية حيث اكتشفت اول بقايا هذه الحضارة.
⃰ الحضارة الوهرانية: حضارة ساحلية انتشرت مواقعها في اماكن عديدة من ليبيا شرقا حتى المغرب غربا وتسمى حضارة النصال الصغيرة وسميت بهذا الاسم تمييزا لها عن حضارة الجزيرة الايبيرية ، وكان اصحابها يستقرون في المناطق المجاور للغابات ..
(51)– نفسه ،ص 19.
(52) – نفسه ، ص21.
(53) – نفسه ، ص20.
⃰ الإنسان العاتري : هو صاحب الحضارة العاترية نسبة الى بئر العاتر الذي يقع في الجزائر بالقرب من الحدود التونسية
⃰انسان مشتى العربي: انتشرت آثاره على طول ساحل افريقيا الشمالية ويتميز بطول قامته ، ويحتمل ان يكون من السلالات الاولى التي استوطنت المغرب منذ سلالة المتوسط فسمي اصيل افريقيا
يتضح من خلال ما سبق ان منطقة الطاوز تشكل متحفا مفتوحا على الطبيعة تؤثثه مجموعة من المخلفات الحضارية لعصور ما قبل التدوين اقدمها يعود الى العصر الحجري الحديث اقل من( 10000ق.م )واحدثها الى الفترة الممهدة للتاريخ (3000سنة ق. م وتميزت بوجود ادوات معدنية) تركها الانسان الذي استقر في هذه المنطقة ، ولا يستبعد ان يكون من الجرمنتيين ، حيث خلف آثارا متنوعة عبارة عن نقوش صخرية لحيوانات مختلفة ولعربات الجر اضافة الى معالم جنائزية تتمثل في مدافن من نوع التيميلوس ذات المصلى ومدافن رجمية اضافة الى مدينة على شكل حصن بموقع واوفيلال ،هو شبيه بما هو منتشر غرب البلاد التونسية وفي قسنطينة الجزائرية والذي اعتبر شارل اندري جوليان خصائصه في هذه المواقع الاخيرة مرحلة من المراحل الاولى للفن المعماري.
ويجدر القول ان ما ورد في هذه الورقة ليس الا مساهمة بسيطة لانطلاق نقاش علمي اكثر عمقا من قبل الباحثين والمختصين من شانه اماطة اللثام عن مجموعة من الحقائق تخص منطقة الطاوز التي قد تسلط الضوء اكثر على تاريخ الهوامش وابراز مدى مساهمته في التاريخ الوطني ، مما سيساعد في زيادة زخم المنطقة السياحي ويكرس وعي جماعي حول اهمية هذه التحف الفنية التي خلفها الاجداد ، وييسر حمايتها من الضياع. فقد تم رصد مجموعة من التهديديات تتربص بهذا الارث الحضاري منها السرقة التي تعرضت لها بعض النقوش خاص نقوش الحيوانات ثم الاتلاف المتعمد لنقوش العربات اضافة الى نقل حجارة المدافن الرجمية لاستغلالها في البناء. ان تضافر جهود المجتمع المدني والسلطات المحلية اضافة الى دور المنعشين السياحيين لمن شانه حماية هذا الموروث الحضاري والحد من تدهور وضعيته بل والمطالبة بإعادة اللقى التي تم استخراجها عن طريق الحفريات التي اجريت في اكثر من موقع ولما لا انشاء متحف محلي لها. ان هذه المساهمة ما هي الا عربون بسيط لمحبة كبيرة اكنها لمنطقة الطاوز التي افتخر بانتمائي اليها والتي تعلمت فيها الابجديات الاولى للقراءة بمدرسة الخملية.
المراجع باللغة العربية:
- مزيان محمد : المغرب في الادبيات الكولونيالية الفرنسية ومشروعية الغزو والالحاق .مجلة عمران العدد17/5 صيف 2016 .
- العروي عبد الله : مجمل تاريخ المغرب. مطبعة المعارف الجديدة. الرباط. 1984.
- المازوني محمد : الكتابات التاريخية الكولونيالية بين اطروحة الرفض والاستغلال المنهجي. مجلة المناهل. العدد 87 يناير 2010 .
- لخصاضي مصطفى : تدريس التاريخ والجغرافيا (حقل التاريخ ) مطبعة افريقيا الشرق 2012 ..
- اندري جوليان شارل : تاريخ افريقيا الشمالية : تونس ، الجزائر ،المغرب الاقصى من البدئ الى الفتح الاسلامي تعريب محمد مزالي / البشير سلامة . مؤسسة تاوالت الثقافية 2011.
-- عبد العزيز بن عبد الله : تاريخ المغرب العصر القديم والوسيط. مكبة السلام الدار البيضاء . مكتبة المعرف الرباط .
–المغربي بودوارة الصديق ، الاصول الاولى لسكان المغرب القديم ..بين روايات ابن خلدون وحقائق ما قبل التاريخ ، المجلة العلمية للدراسات التاريخية والحضارية ، كلية التاريخ والحضارة ، جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الاسلامية .
- عميري ابراهيم ، سوزان ربه : المدافن والطقوس الجنائزية في العصور الكلاسيكية في ريف دمشق. منشورات الديرية العامة للأثار والمتاحف . وزارة الثقافة . دمشق 2012.
- كامب غابرييل، البربر ذاكرة وهوية ، ترجمة عبد الرحيم حزل . مطبعة افريقيا الشرق 2014.
المراجع باللغة الفرنسية:
-Gabriel Camps : Massinissa , Art et métier graphiques ,1960.
- Jaques Meunié et Charles Allain : Quelques gravures et monuments funéraires de l’extrême sud-est marocain .Hespéris. 1 et 2 trimestre 1956
-Bokbot Youssef : Habitat et monuments funéraires du Maroc protohistorique. Thèse de doctorat .Université de Provence .AIX –Marseille 1991 .
- Camps Gabriel : Sur trois types peu connus de monuments funéraires nord-africains (note de protohistoire ) In . Bulletin de la societe préhistorique de France .Tome 56 né 1et 2 1959 .
– Flamand .G : Les pierres écrites du nord de l’Afrique .Congrès intern. Anthrop .Arched . Prehis XII .Paris 1900 .
– Flamand .G : Les pierres écrites (Hajrat maktouba) du sud oranais .In compte rendu des séancesde l’Académie de l’inscription et belles-lettres. Ne 14 .
- A.Ruhlman : Les recherches de la préhistoire dans l extrême sud marocain .( pub.du service des antiques du Maroc . Fax 5 .Gauthner 1939.
-Perret. Robert : Une carte des gravures rupestres et des peintures à l’ocre de l’Afrique du nord
– Souville Georges : Principaux types de tumulus marocain .In :Bulletin de la société préhistorique de France .Tome56 ;ne 7-8.1959.
- BOKBOT youssef : Tumulus protohistoriques du pré Sahara marocain : Actes du IIIème Colloque International sur l’Histoire et l’Archéologie de-
l'Afrique du Nord. Tabarka. Tunisie 8-13 Mai 2000. Edition de l’Institut National du Patrimoine – Tunis.
– Souville Georges : Principaux types de tumulus marocain .In :Bulletin de la société préhistorique de France .Tome56 ;ne 7-8.1959.
* لحسن والطالب استاذ مادة الاجتماعيات بثانوية احماد اوباحدو التأهيلية ملعب
صورة القمر الاصطناعي لمواقع موضوع بحث هذه الورقة