أحمد بيضي - جديد أنفو / متابعة
 
اشتد الجدل بمدينة فكيك بين مؤيدين ومعارضين لمشروع ما سمي ب "طريق سياحية"، فيما أعرب عدد كبير من المعارضين، ميدانيا وعلى مواقع التوصل الاجتماعي، عن رفضهم تنزيل هذا المشروع باعتباره، وفق رأيهم، سيقوم على حساب خراب بساتين النخيل وأحواض المياه والأشجار المثمرة، فيما سيضر بالجرف الكلسي الضارب في عمق التاريخ والهش جيولوجيا، وبالقصور السبعة الغنية بأحيائها وبتراثها المعماري الخاص، وغيرها من المعالم الطبيعية والسياحية والتراثية التي أكدت للباحثين أن فكيك "أقدم المدن المغربية في الجهة الشرقية"، فيما حملت منظمة اليونسكو أكثر من مرة إلى التعريف بهذه "الجوهرة الشرقية" وتصنيفها كتراث إنساني.
 
وبخصوص الموضوع، قام "مجلس جهة الشرق" بالتفكير في شق الطريق المذكورة تحت اسم "الطريق السياحية"، بقلب أشجار النخيل والأحواض المائية والأشجار المثمرة، وذلك على طول 3,6 كلم، وعرض أزيد من 7 أمتار باحتساب الرصيف، ما ضاعف من تخوفات الداعين للمحافظة على الثروة النخلية، فيما هم يقرعون نواقيس الإنذار حيال ما يتهدد المئات من النخيل والكثير من الأحواض، وما يتهدد مناخ المنطقة من تلوث وضجيج، بحسب رأيهم، مع المطالبة من الجهات المسؤولة التدخل لفتح ما يكفي من التحقيقات والتحريات في شأن الموضوع، إما لإيقاف المشروع قبل نزول الجرافات، أو لتطمين الفاعلين والساكنة.
 
ويردد المعارضون للمشروع انهم ليسوا ضد مظاهر التنمية وفك العزلة وتشجيع السياحة، وإنما هم ضد "الاصلاحات الغامضة والمضرة"، ومنها أساسا ما يتعلق بالمشروع المسمى "الطريق السياحية"، الذي يرون فيه "دمارا" سيحل بمنطقتهم المعروفة بجماليتها وهدوئها ومآثرها التاريخية وثروتها النخلية التي اشتهرت بتمورها النادرة ذات القيمة العالية التي يجب الحفاظ عليها وتثمينها، وبالتالي، ومن باب الحفاظ على خصوصية المنطقة رأت غالبية مصادرنا أن المنطقة بها عدة طرق التي إما أحدثت أو خلفها المستعمر، وكان من الأجدى صرف الغلاف المالي للمشروع (7.686.000,00 درهم) في مجالات اقتصادية واجتماعية وسياحية أخرى.
 
وفي السياق ذاته، قالت مصادر أخرى إنه كان من المفروض إحداث مسلك منسجم والهوية السياحية لهذه المنطقة، ويكون للدراجات الهوائية، بحكم فكيك تعتبر "متنفسا شرقيا" وأول مدينة بالمغرب تعتبر "صديقة للبيئة"، بحسب ما أجمع عليه الكثير من المهتمين بالمجال، نظرا لاعتماد سكانها، في تنقلاتهم اليومية، على الدراجات الهوائية، وإذا كانت "الطريق سياحية" فالمنطقة، حسب مصادرنا، تريد السائح الذي يفضل التجوال للتمتع بجمالية الواحة، ومآثر القصور وحدائق النخيل وأحواض المياه وجيولوجية الجرف وغيرها من المؤهلات التي أوصت مجموعة من الأبحاث والدراسات بحمايتها، وبتهيئة مسارات للراجلين وسط البساتين وبجوار الجرف.
 
ولم يفت بعض المتتبعين لملف "الطريق السياحية" التساؤل حول ما إذا قام أصحاب المشروع باحترام الاجراءات المطلوبة والشروط الإدارية والتقنية الواجب التقيد بها في مثل هذه المشاريع، ومنها أساسا: هل تم تدارس ملف المشروع مع الجهات المعنية؟، وفي مقدمتها وكالة الحوض المائي لملوية بوجدة؟، المديرية الإقليمية أو الجهوية للمياه والغابات؟، والوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة؟، وهل تم احترام مسطرة نزع الملكية للمصلحة العامة، بل هل تم استحضار تصميم التهيئة عقب التحضير للمشروع؟، إلى غير ذلك من التساؤلات، علما أن المنطقة أخذت تشهد حركية تنموية ملحوظة في السنوات الأخيرة.
 
وما يزال مشروع ما سمي ب "الطريق السياحية" يثير المزيد من الجدل، إذ في الوقت الذي يلوح فيه المعارضون بالدخول في أشكال احتجاجية، ومراسلة مختلف المؤسسات والمنظمات المعنية بالثقافة والتراث والبيئة والماء والحقوق الانسانية، وتكثيف النداءات من أجل مراعاة إمكانيات المنطقة في تحقيق تنمية مستدامة، اكتفي الجانب الآخر من المؤيدين للمشروع، بما يفيد أن المكلفين بهذا المشروع سيعملون على احترام النخيل والأراضي الفلاحية، ويتهمون المعارضين بنهج المعارضة من أجل المعارضة، وبنسف أي شكل من أشكال التنمية، بحسب ما ورد في تعبيرات بعضهم، بعدما انتقل الخلاف إلى مواقع التواصل الاجتماعي بتعاليق وتعاليق مضادة.
 
ولم يكن مفاجئا أن يمتد صدى الموضوع إلى خارج الوطن، حيث علم أن ثماني جمعيات لأبناء فكيك بفرنسا، عقدت اجتماعا موسعا، يوم 21 يونيو 2020، لمناقشة نازلة المشروع، فأسفرت نتائج أشغال الاجتماع عن إجماع الحاضرين على التنديد بالغموض الذي رافق إعداد هذا المشروع، وعدم إجراء استشارات عامة، لا مع المجتمع المدني ولا مع ملاك الأراضي المستهدفة، الذين فوجئوا بعلامات على ممتلكاتهم، كما لم يتم إجراء دراسة الأثر البيئي، طبقا للمادة 2 من القانون 12-03 التي تنص على أن جميع المشاريع المماثلة والمذكورة في هذا القانون من المرجح أن ينتج آثارا سلبية على البيئة الفيزيائية الحيوية والبشرية.
 
وبينما أكدت الجمعيات المذكورة ما للمشروع من استنزاف على مستوى النخيل والأشجار المثمرة، وعلى مستوى مصادر المياه والهواء، شددت بقوة على ضرورة الوقف الفوري للمشروع المثير للجدل، والعمل على إطلاق استشارة عامة في سبيل إعادة توجيه المشروع وتحصيل الميزانية لإنشاء شبكة من المسارات السياحية الحقيقية، وتعزيز تراث واحة المنطقة واحترام البيئة، مع إنشاء شبكة تواصل بين السلطات والمؤسسة المنتخبة، وبين جمعيات فكيك، في المغرب والخارج، فيما لم يفت الجمعيات ذاتها، والمتواجدة بفرنسا، الاعلان عن احتفاظها لنفسها بالحق في اللجوء لكافة الوسائل القانونية المتاحة ورفع دعوى قضائية في الموضوع.