زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو

قصور الجنوب الشرقي  وقصباته غنية  بإرث ثقافي مشترك، به يحلو الكلام  وبه يطيب المقام  حين تجتمع الوجوه وتلتقي الأنظار ويعم  الدفء  على الخِوان، فيجري القول بعيدا عن اللوم والعتاب، وكل  ينتظر الدور للبوح بما يضج به الخاطر، وما تختزنه الذاكرة من إرث مشترك بين فئات عمرية متقاربة او متباعدة.

ساكنة  الواحات بجهة درعة تافيلالت  على محياها الرضا  والقناعة، ولا على شفاهها غير الحمد والشكر في  الانقباض والانشراح  وكم هو صعب ان يصنع الشخص البساطة والابتسامة في زمن جفت فيه العلاقات ويبست  فيه الأواصر وانقطعت .

العمل التطوعي  بدرعة تافيلالت

 أبريد لْخير او "طريق الخير" بقصور درعة تافيلالت ثقافة وسلوكيات متأصلة  بكل الجنوب الشرقي بشكل  واسع عن باقي مناطق المغرب، وهو  فعل يصدر من ناس القصر او القرية تطوعا ومجانا  ودون مقابل خدمة للصالح العام وقد  يتكرر هذا السلوك حسب الحاجة اما لحفر  ساقية الماء " تارْكا "  لتنقيتها من ترسبات الأحجار والاتربة  بعد تساقط الأمطار  او تنقية الطريق التي يسلكها الجميع أو تنقية المسجد او بنائه، او ترميم القصر من الداخل  أو الخارج  أوالتعاون من أجل تحويل مجرى بعض الشعاب التي تجرف المنتوجات الواحية وغير ذلك كثير.

البعد التاريخي والاجتماعي

من أبرز الأعمال الخيرية الجماعية  بالجهة، ما يطلق عليه في ثقافة الجنوب الشرقي  ب " أبْريد الخير" وهو من صنع أناس في الغالب  هم شيوخ  يتميزون بالامانة والرزانة والتبصر والحكمة، وقد يكون بعضهم من الفقهاء أو من شيوخ القبيلة او من أفرادها المشهود لهم بالثقة والشهرة  والتبصر في اخذ الامور من الوسط .فالسائد  في  الثقافة الواحية هو التكافل  والعلاقة الانسانية، والناس يخدم بعضهم البعض، كما تخدم البوادي الحواضر، وتخدم المدن البوادي، والخدمات متبادلة ولو لم يكن هناك اتفاق  بتبادل  هذه الخدمات  ،مما  يقوي التغلب على الأنا المتأصلة في الانسان  .

وبحسب "جعفر العربي " شيخ قبيلة  قرية "تلاكلو" سابقا بضواحي تزارين اقليم  زاكورة  والذي انخرط مع اعضاء القبيلة في قلع احجار من الجبل يمكن ان تتساقط وتشكل خطرا على المارة، يقول بأن " أبريد الخير عمل خيري، فحين تكون حملات المطر يكون انجراف التربة والطرقات ،وهذا ما دفع القبيلة الى سن ابريد الخير الشبيه ب "تويزا " او ما يسمى بالعامية "حَدْ الصايم" الذي يعني ان كل فرد بلغه الصيام يجب ان ينخرط  في العمل"  ويضيف  " أبريد  الخير هو عمل خيري  ورثناه ابا عن جد وليس وليد اليوم بل هو عمل خاص بالمنطقة ككل ،فالقبيلة تضع اليد في اليد وتقوم ب  تويزا للإصلاح ،فنحن لا ننتظر المجلس الجماعي او أي جهة، بل نضع اليد في اليد ونتعاون في ما بيننا لأن هذا العمل جبار ،وعمل خيري  ويعبر على كون الخير مازال في البلاد ومازال الناس في تعاون".

عقوبة الممتنع  عن العمل التطوعي الخيري.

طريق الخير او " ابريد الخير "  قد يتخلف عنه بعض افراد القبيلة  احيانا ويجب اداء غرامة او ما يسمى بالأمازيغية 'ب  إِزْمازْ" اوصالح الحسين ، واحد  من ساكنة  دوار تلاكلو باقليم زاكورة ومن المنخرطين في هذا العمل قال " نحن نقوم بهذا العمل الخيري تطوعا  ونتفق في القبيلة عندما نرى حال الطرق رديئا فيتطوع كبيرنا وصغيرنا، ونعمل في سبيل الله ، وبالنسبة لأجدادنا فكل من تخلف يجب اداء إزماز او غرامة   حسب تقدير مجمع القبيلة  بناء على العرف ،ولكن مؤخرا الحمد لله الكل يفهم المصلحة العامة ويتطوع ولا نصل لإداء الغرامة  "، واضاف  " حين ننادي بالعمل الجماعي فالكل يتطوع ويكفي انك تذكر " ابريد الخير " فالكل يأتي  للعمل والكل يتطوع ايضا بما جادت به يده من الطعام بغض النظر عن نوعه او قيمته كثيرا كان او قليلا ويجتمع الكل ويأكل الجميع حتى  موعد خيري جماعي آخر '.

الفعل السلوكي ل " ابريد الخير "سيقل لا محالة حين ينتهي الجيل الذي شب في هذه الثقافة  الواحية بالجنوب الشرقي وحين تنتهي التربية التقليدية  لتتأصل تربية المصالح، ويجب غرس هذه القيم وإعادة إنباتها من جديد بالمدارس والجمعيات التنموية   ليستمر العمل الخيري التطوعي في ثقافة مجتمعنا الجديد.